المقالات

رجال الثقافة، موهيكانز مهدّدون بالانقراض

1217 00:34:00 2008-08-26

( بقلم : سليم سوزه )

كنت قد نشرت قبل ايام في عدد من المواقع المختلفة، سلسلة مقالات تحت عنوان "المثقف العراقي وازمة الموقف" وسلّطت النظر فيها على الحقيقة المُرّة التي يعيشها المثقفون العراقيون او على الاقل اغلبهم، من صراع نفسي حاد ضيّعوا فيها بوصلتهم الفكرية والثقافية تجاه ما ارادت طوائفهم بغير حق ولا مسوّغ اعتباري، سوى الانتماء والتبعية العمياء لها وفق قاعدة "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً".

لابد لنا من الاشارة بان ما حصل قبل يومين من اغتيال للمثقف والمفكر العراقي الاستاذ كامل شياع كان بحق صدمة للاوساط الثقافية والعلمية نظراً لما يمثله من فكر واعتدال واتزان خلقي عُرف به في حياته .. فشياع لم يكن من هؤلاء الذين اسبغ عليهم دينهم او طائفتهم او حتى انتمائهم الفكري والعقيدي، صفة الانحياز والانغماس في ثقافة التمزيق والتفرقة المجتمعية المقيتة التي شهدها البلد خلال تلك السنين الماضية، بل لم يكن سوى مفكراً عراقياً متوازناً سخّر عراقيته مع ثقافته في خدمة بلده في احلك الظروف وفي اصعب الاوقات التي رآها بعض كتّاب ومثقفي (المهجر) انها خيانة عظمى للثقافة وانمساخ المثقف الحر في تابعية المؤسسة الاحتلالية (كما يسمّيها شعراء البلو متروبوليس).

في عام 2006 نشر الكاتب العراقي مازن لطيف علي في موقع الحوار المتمدّن مقالة حوارية رائعة مع الشهيد كامل شياع، شخّص فيها الاخير بكل دقة مهام الثقافة الوطنية ودور المثقف في المساهمة في بناء الوطن على الاسس الثقافية الصحيحة والبعيدة عن التسييس او الطائفية، حيث برع اصطلاحاً في توصيف الثقافة بانها "علمانية بطبيعتها ليس بمعنى معارضتها او تناقضها مع الدين، ولكن بمعنى ان حقلها يختلف عن حقل الفكر والممارسة الدينية واعتقد ان من الخطأ اسقاط البعد الديني على البعد الثقافي. الثقافة تبحث في الموضوع الديني وتفكّر فيه وتستلهمه على مستوى الرؤية والموضوع من خلال أعمال فنية وأدبية، لكنها غير ملتزمة بالضرورة بالاطار الديني للنظر، لأن حقلها التجربة الانسانية النابضة بالحس والخبرة الحية، والمشحونة بأسئلة الخيال والابداع، والمتشكلة باللغة أو الصورة أو اللون أو الجسد، أي بأساليب تعبيرية". انتهى كلام المرحوم.

والله لم اجد اروع وادق من هذا التوصيف في حياتي للثقافة وعلاقتها بالدين، فالرجل كان بارعاً في ترميز الثقافة واعطائها الشمولية المستوعبة للفكر الديني، باعتبارها آلية انسانية بحتة تنتج من وحي الفكر الانساني لتشمل بالضرورة المتديّن من الامور .. وهي لعمري انسنة راقية للدين وفق الديناميكية المستمرة للعالم المُعَولم.

ان العملية الاستفزازية التي بقوم بها بعض كتّاب الرأي الآخر ومحاولة جرّهم العملية الثقافية الحالية لتكون طرفاً في ما يجري من مشاكل وقضايا سياسية معقدة، او تحميلها مسؤولية تردّي الوضع العراقي، لهي عملية توريط للثقافة البريئة في ما لا ناقة لها فيه ولا جمل .. من قبيل تسميات عديدة (كمثقفي الاحتلال) و (عرّابي الاحتلال) و (تابعي الاحتلال)، لمجرّد كونهم عملوا سواء بصفة رسمية ام لا، ضمن حقول الثقافة المختلفة في ظل الوضع الراهن. انا مستغرب لماذا يريدون قتل الثقافة العراقية واماتتها في ظرف استثنائي يحتاج لها البلد اكثر من اي وقت سابق؟

لاشك ان شياع قد نال من تهم هؤلاء ما ناله شرفاء آخرون زملاء له في المهنة، سواء بصورة مباشرة ام غير مباشرة، ضمن تلك العملية الرخيصة التي سمّيناها عملية توريط الثقافة العراقية ومحاكمة رموزها الاصيلة بطريقة اشبه بمحاكمات (نورمبرغ) السياسية.

رحم الله كامل شياع، والخزي والعار لقتلته المجرمين، ولتحيا ثقافة العراق دائماً وابداً.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك