( بقلم : فالح غزوان الحمد )
يبدو ان شعور مقتدى الصدر بحقيقة أن أتباعه و من يظهرون أنفسهم طوع أمره و رهن إشارته ما هم في الواقع سوى مجاميع منحرفة جاهلة غير ملتزمة بأبسط ما يلتزم به الإنسان اعتقادا بدين أو مذهب ، أو على الأقل إن أغلبيتهم كذلك و هو أمر يمكن الوصول إليه من خلال النقاط الأربع التي احتوتها وثيقة مقتدى الصدر الأخيرة التي طلب من كل أتباعه التوقيع عليها بالدم و هو أسلوب بالٍ يذكرنا بأساليب البعث الصدامي المجرم الذي فرض هذه العادة السيئة و سنها لرفاقه ، بالطبع فإن مقتدى لم يقصد حين خامرته هذه الفكرة أن يقلد النظام السابق .. و أنا اجزم بذلك جزما مطلقا .. نعم هو لم يشأ تقليد أسلوب صدام حسين و الرفاق البعثيين الذين كانوا يكتبون وثائق بيعة مماثلة ولاءً للنظام . و لكن ...
و لكن كان ذلك شيئا عفويا تماما لمن تشبع بثقافة الحقب الصدامية المظلمة و نحن طالما أكدنا على هذه النقطة حيث يلاحظ بكل وضوح تأثر الصدريين بثقافة البعث على أكثر من مستوى . و التأثر بالثقافة ليس شيئا قصديا يقصد إليه الإنسان المتشبع بها ، بل هي إطار حاكم لسلوكه و طريقة تفكيره و كيفية مقاربته للشؤون و القضايا المختلفة . إن مظاهر تأثر الصدريين بتلك الثقافة التي حكمت المجتمع العراقي زهاء ثلاثين عاما متعددة و لعل أبرزها الرغبة في عسكرة المجتمع و منها اتخاذ أسلوب العنف كأداة لتحصيل المكاسب السياسية و منها أيضا الخطب و العنتريات الفارغة و تنصيب الذات كناطق رسمي باسم الشعب دون العودة لرأيه .. و يبدو أن الأمر وصل إلى جزئيات لم تكن مرجحة الأخذ بها و تمظهرها كواحدة من أدوات التسويق السياسي و الفكري . يأبى مقتدى الصدر إلا أن تحضر مفردة الدم في كل شيء و ها هو الآن يلحّ عليها في وثيقة يدعي أنها بيعة للإمام المهدي ، هذا الإمام ذو المنزلة العظيمة عند الله يريد السذج تصويره بأنه أقرب إلى سفاحي القرون الوسطى بينما تنتظره البشرية للخلاص من الظلم و الجور و الطغيان .
في النقاط الأربع التي ذكرتها وثيقة بيعة مقتدى نلمس كما أشرنا إلى ذلك أنها جاءت بوحي من شعوره أن أغلب أتباعه هم مجاميع منحرفة جاهلة غير ملتزمة بأبسط ما يلتزم به الإنسان الملتزم و المدعي تدينه و حمله للعقيدة الإسلامية عملا و سلوكا حتى صوّروا أنفسهم أنهم على استعداد للمقاومة التي تمثل اختبار حقيقي لمن هو ملتزم بحق من غيره ..!!
ففي النقطة الأولى جاء التأكيد على التزام الموقعين بالقرآن و السنة و هنا نسأل هل هذا الأمر بحاجة إلى بيعة ؟ البيعة للإمام المهدي - فضلا عن أن يكون الموقِّع عليها ممهدا لظهوره - تصدر بلا شك من الإنسان المسلم المؤمن و هو أمر لا يتحقق إلا بالالتزام بالقرآن و السنة و تعاليم العترة الطاهرة .. أما النقطة الثانية ففيها التزام خرافي بتحرير كل أراضي المسلمين من جيوش الظلام و الاحتلال و الاستعمار ... و لا ادري ماذا يقول المرء حول هذا الكلام ؟ إن جيوش الظلام التي يقصدها مقتدى الصدر موجودة في أفغانستان فهل سيذهب الصدريون للقتال إلى جانب ابن لادن و شراذم طالبان على اعتبار أن أفغانستان من أراضي المسلمين . ؟؟ أم أنها فقرة وضعت في الوثيقة أو بالأحرى أن الوثيقة وضعت من أجلها لغرض إرسال رسالة للولايات المتحدة الأمريكية تتعلق بشأن حرب محتملة ضد إيران ؟؟إن هذه اللعبة الجديدة فيما نحسب يريد من ورائها مقتدى ما يلي :
أولا : جذب الاهتمام و تسليط الأضواء عليه لاسيما و قد طالت به مدة القبوع في الخارج بعيدا عن المؤتمرات و وسائل الإعلام التي كان يتلذذ بتصويرها له . وهو شخص لا يقوى على مقاومة شهوة الظهور و حب الضوء الساطع من كاميرات الجزيرة .
ثانيا : ستر عورة أتباعه و افتضاح أن غالبيتهم العظمى لا يحسنون حتى تأدية صلاة واحدة بشكل صحيح فضلا عن المستوى الذي هو واقعا في الحضيض للثقافة و الوعي و التحصيل الدراسي .
ثالثا : محاولة يظن أنها قد تجدي نفعا في خداع بعض المواطنين و لا سيما أن الانتخابات قد تجري بعد بضعة أشهر على الأرجح و موعدها سيتقرر بعد حسم قضية كركوك .
رابعا : كما أشرنا قد تكون هذه الوثيقة رسالة سياسية للولايات المتحدة فمن أملاها على مقتدى الصدر أراد أن يقول للولايات المتحدة أن موقف الصدريين قد تغير فلم يعد هدف جيش المهدي هو تحرير العراق فقط و عليه فالانسحاب من العراق ثم ضربهم لا يعني أن جيش المهدي لن يكون له دور يزج من خلاله العراقيين في أتون الحرب القادمة .
https://telegram.me/buratha