( بقلم : د. سناء الحربي )
يبدو أن قيادات الصدريين أدخلوا أتباعهم في حيص بيص و حيرة و ارتباك إذ أن الإعلانات و البيانات التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة كما التصريحات من بعض المسؤولين الصدريين لا تبدو واضحة و يكتنفها الغموض و التناقض ، و لهذا نرى أن حيص بيص الشارع الصدري و حيرته و قلقه أمور مبررة و نتيجة لازمة لما يحصل .. لا تهمنا حيرة هؤلاء بقدر ما تعنيننا بعض التساؤلات التي تدور في ذهن العراقيين حاليا .. لاقتبس أولا هذه الجمل من تصريحات صلاح العبيدي مسؤول المكتب السياسي لصحيفة النور :• إن الخط الصدري عندما تأكد له بان الأمريكان بدأوا يغيرون في تكتيكهم القتالي من خلال التلويح بإمكانية جدولة الانسحاب من العراق والدخول معه في اتفاقية أمنية ربما تبقي على قواعد عسكرية أميركية لأمد طويل على الأرض العراقية دفع بالخط الصدري إلى أن يغير هو الآخر من تكتيكه• إن مصير هذه الخلايا وطريقة عملها الجهادي مرهونة بالقرارات التي سيتخذها الجانب الأميركي• أكد أن تياره سيتراجع عن قرار حل المليشيا في حال تراجعت القوات الأميركية عن نية الانسحاب• وقال إن «المقاومة» لن تتوقف حتى تغادر القوات الأميركية العراق• وقال في بيان تلي نيابة عنه إن حمل السلاح سيكون محصورا في مجموعة واحدة تعرف باسم مجموعة المقاومة، والمجموعة الأخرى، التي أطلق عليها تسمية الممهدونلا حاجة للقول إن أغلب هذه النقاط تتناقض مع التصريحات و المواقف السابقة للسيد مقتدى الصدر و قيادته السياسية فضلا عن تناقضها الضمني مع بعضها بعضا و فضلا كذلك عن تناقض بعضها الآخر لا سيما النقطة الأخيرة مع واقع الحال على الأرض . ففي الوقت الذي ردد فيه الصدر مرارا و تكرارا خلال الأعوام الماضية من أن حل مليشياته أو ما يعرف بجيش المهدي و إيقاف نشاطاته مرهون بجدولة انسحاب القوات الأمريكية أصبحنا الآن إزاء موقف جديد يتمثل بأمرين الأول إن إيقاف نشاطات جيش المهدي مرهون بالانسحاب و ليس الجدولة كما كان يتردد وهذا يؤكد القناعة السائدة لدى الكثيرين بأن القضية لا تعدو أكثر من تكتيك و لف و دوران لغايات معينة ولا توجد أية ضمانات على حل المليشيا للرغبة العارمة ببقائها و الاتكال عليها في تحديد ملامح خارطة النفوذ و الثقل السياسي . و الأمر الثاني هو استبدال جيش المهدي بجيش المهدي و لا اعتبار لتغيير العناوين و المسميات ما يؤكد بدوره على النزعة المسلحة لدى الصدريين و لا يلوح في الأفق ما يبشر بتغيير في طريقة التفكير الصدري و الإيمان بالمشاركة السلمية بعيدا عن لغة العنف و السلاح الذي - وهو أمر لم يعد خفيا لكثرة مجاهرة القادة الصدريين به للكثير ممن حدثنا عنهم – يراد أن يُحتكم إليه في حال فقد الصدريون ثقلهم و نفوذهم و رأوا أن الأمور لا تسير إلى صالحهم حاضرا أو مستقبلا والأمر ليس له صلة لا من قريب و لا من بعيد بقضية وجود القوات الأمريكية من عدمها فهي مجرد شماعة لتبرير الاحتفاظ بالسلاح و المسلحين و تبرير الصراع مع القوى و الأحزاب السياسية الأخرى و إيجاد الحجج للقيام بكل ما يجب القيام به من أفعال غير مشروعة لتحقيق مصالح سياسية ، و إذا كانت لها صلة من نوع ما فهي تلك التي لها علاقة بالدفاع عن مكتسبات العملية السياسية و النظام الجديد في العراق .
في تصريحات صلاح العبيدي يجذب الانتباه قوله باحتمال التراجع عن حل جيش المهدي .. هذا مع أن الواقع يقول إن العملية ليست أكثر من مناورة مفضوحة فهي كما عبرنا عنها استبدال جيش المهدي بجيش المهدي و إن كان الاسم الجديد له مجموعة المقاومة أو المجموعات الخاصة للمقاومة أو المقاومة العراقية فكلها شيء واحد هو جيش المهدي بلحمه و شحمه .. على أن قضية التهديد بالتراجع عن الحل تثير أكثر من علامة استفهام و تعجب و استغراب .. فمن جانب كان العبيدي قبل أيام قليلة جدا يقول إنه لم يجر حل جيش المهدي بعد و نحن في منتصف الطريق لذلك .. و من جانب آخر يترك هذا التهديد انطباعا بل قناعة بأن حل مليشيات التيار الصدري لن يأتي بقرار من مقتدى الصدر أو من قيادة مكتبه السياسي على الإطلاق بشكل طوعي و حتى في حال حله إجرائيا فهو لن يحل واقعا و سنسمع بتهديدات بالتراجع عن الحل وهو بحد ذاته يعني أن جيش المهدي لم يحل لأن المألوف في مسألة المليشيات بعد حلها أنها لا يمكن التراجع عن قرار الحل لكونه خلاف المألوف بل شيء غير قابل للتنفيذ في حال تحقق فعلا .
إن لمن الطرافة المبكية أن يسمع العراقيون لا سيما في الوسط و الجنوب بالمقاومة الجديدة للتواجد الأمريكي في قواعد خارج المدن – هنا أعود مذكرةً القارئ الكريم بحقيقة أن الموقف الصدري كان و بدءا من عام 2005 يتمثل برغبة خروج القوات الأمريكية و حلفائها من المدن حسب – و مصدر موقف العراقيين في هذه المناطق هو أنهم يعلمون تمام العلم و نتيجة لما عايشوه خلال السنوات الماضية من أن هذه المقاومة ليست جديدة عليهم وهي تتمثل بإطلاق الصواريخ من بين دور المواطنين و التي فضلا عما تتسبب به من رعب و خوف و هلع لدى النساء و الأطفال بل و بعضها أودى بحياة كبار السن و من لديهم مشاكل في القلب و الأوعية الدموية وهناك حالات يعرفها الكثيرون من هذا القبيل ، أقول فضلا عن هذا فإنها ستؤدي أيضا إلى إلحاق الضرر بالناس إما عن طريق السقوط العشوائي و انحراف أو تقصير الصواريخ و المقذوفات عن أهدافها و هي الحالة الأكثر شيوعا و إما عن طريق ردة فعل الدفاعات الصاروخية للقواعد الأمريكية و نظام الرد المباشر الذي أدخل قبل عدة أشهر لهذه القواعد . هذه الأضرار التي يدفع المواطن ثمنها ماديا و معنويا تسمى في العرف الصدري بضريبة المقاومة دون أن يوضحوا لنا من شرّع هذه الضريبة و جعلها واجبة الدفع على المواطنين ؟ و بأي فتوى من رجل دين معتد به جاءوا ليجعلوا منها قضية شرعية و مشروعة ؟؟
من جهة أخرى فنحن برغم كل ما نسمعه من شروط القيادات الصدرية و الحديث عن التمهيد الثقافي و الاجتماعي و المقاومة الغير مسلحة و إلى آخره فإننا لا زلنا على الأرض نسمع و نرى عمليات زرع العبوات و تفجيرها في الشوارع دون أن تميز بين عربة همر أمريكية و بين عربة مدنية و القذائف التي تطلق بين الحين و الآخر ولو أن التغطية الإعلامية قليلة بشأن جرائم جيش المهدي خاصة في المناطق الوسطى و الجنوبية .. على أية حال إنني جازمة بأن هذه المليشيات ستبقى عنصر تهديد للأمن و الاستقرار في البلد و إن الصدريين من الانغماس في رغبة الحفاظ على المليشيا بمكان إلى درجة أن آخر ما يمكن أن يفكروا به هو حل مليشياتهم ولو كان الثمن خراب العراق و قتل آخر عراقي لا ينتمي إلى ما يسمى بالتيار الصدري .
https://telegram.me/buratha