بقلم : سامي جواد كاظم
عندما اعلن ان محاكمة طاغية العراق ستعرض من على شاشات التلفاز وبنقل مباشر حدث في ليلتها هرير اعلامي مدوي الكل يتكلم عن هذا الحدث وما سيتمخض عنه من ردود افعال بين المتشمت والممتعض من هذه المحكمة ،المهم ان الجلسة الاولى سرقت كل الاضواء الاعلامية وبمختلف مجالاتها واشكالها ومع انعقاد الجلسة الثانية ثم الثالثة بدأت تخفت بمرور الجلسات الى ان صدر الحكم عليه وتم تنفيذ الاعدام الذي هو الاخر صحبه هالة اعلامية وعلى الاتجاهين المتضادين بالمشاعر .
جلسة محاكمة صدام تختلف عن بقية الجلسات من حيث الاهمية ولو اردت ان احدد فالجلسة الاولى والاخيرة التي صدر فيها الحكم كانت الاهم اما بقية الجلسات فكانت متابعتها من قبل اصحاب الشان باهمية اقل . تم نقل المحكمة نقل مباشر وذلك لعدة اعتبارات منها لاثبات ان المحكمة نزيهة ولادخل للحكومة فيها وكذلك لامتصاص الغضب والالم الكامن في نفوس اغلب العراقيين من هذا الطاغية فاذا ما رأوا السلاسل بيده وهوجالس في قفص الاتهام فان هذا قد يشفي من غليل المظلومين كما وان هنالك من يريد ان يطلع على خفايا من صدام لم يعلم بها سابقا ، وكذلك ليكن عبرو ودرس لمن سار او يسير على خطاه وتثبت جدية الحكومة في القصاص من الظلمة من خلال هذه المحكمة ، اغلق الملف باصدار حكم الاعدام وتم التنفيذ .
الحقيقة الى الان تعرض المحاكمات للمتهمين بقضايا اخرى وهنا لابد من وقفة لان هنالك مفترق طرق بين هذه المحاكمات التي تعرض من على شاشات التلفاز وبين ما تم طمطمته من مصير سلطان هاشم دون علي الكيمياوي .سلطان هاشم ومن معه بعض المتهمين اصبحوا نقطة خلافية في مشاورات المصالحة ومن جهة اخرى صفقة سياسية مع الجانب الامريكي ، وفي اروقة المحكمة خلف الكواليس كانت تدور مشاورات بخصوص اصدار الحكم بحق سلطان هاشم الذي سلم نفسه اساسا بصفقة مع القوات الامريكية ، وكان للسيد جعفر الموسوي راي بان يكون الحكم عليه مؤبد لتجاوز اشكالات الاعدام وهذا اثار خلاف مع الهيئات الرئاسية في المحكمة التي على اثرها تم نقله الذي رفض تنفيذه الموسوي وتم الرفض بالفعل مع تدخل المالكي . المهم الى الان لم يتم التنفيذ وهذا احدث خدش في نسيج الثقة الذي كان على اوج قوته بعد تنفيذ الاعدام بحق صدام وبين وضعية الجهة التنفيذية اليوم المرتبط مصيرها بمزاج القوات الامريكية في تسليم المتهمين لغرض تنفيذ القصاص.
الحقيقة ان ما يشغل ويهم الشعب هو مشاهدة تنفيذ القصاص بحق حاشية صدام من اقربائه واشقائه اكثر من غيره . اهتمام المواطن العراقي ووسائل الاعلام بالمحاكمات الجارية الان بات شبه معدوم وان عرضها لا يجدي نفعا ولا اقول الغائها ولهذا الامر سببان الاول كما ذكرت عملية تاجيل تنفيذ الحكم بمن صدر بحقه الحكم والثاني وهو لايقل اهمية عن الاول حيث الى الان نرى الشاهد خلف الستار وهذا له مدلولات سلبية على الوضع الامني الذي تحسن عما كان عليه سابقا فعملية اخفاء الشاهد يعني ان هنالك عصابات لا زالت قادرة على الاغتيال وهذا نقيض ما يقال عن تحسن الوضع الامني .ومن هذين السببين الافضل عدم عرض المحكمة في الوسائل المرئية .
واما قضية سلطان هاشم فلها حكاية ولاذكر لكم هذه الرواية التاريخية الاسلامية التي لها علاقة بهذه القضية .الحكم بن العاص طريد رسول الله (ص) الذي نفاه إلى الطائف و أباح دمه متى وجد بالمدينة و مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الحكم مطرود .فلما ولي أبو بكر رفض عودته وكذلك عمر عندما تولى الخلافة سار على نفس المنهجفلما ولي عثمان الأمر ; استدعاه من الطائف إلى المدينة و آواه و حباه و أعطاه و أقطعه المربد بمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .فعظم ذلك على المسلمين و قالوا : آوى طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و حباه و أعطاه و صاروا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فسألوه أن يكلمه في إخراجه عن المدينة و رده إلى حيث نفاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .فجاءه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال قد علمت يا عثمان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نفى هذا الرجل عن المدينة و مات و لم يرده و أن صاحبيك سلكا سبيله في تبعيده و ابتغاء سنته في ذلك فقد عظم على المسلمين ما صنعت في رده و إيوائه فأخرجه عن المدينة و اسلك في ذلك سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .فقال : يا علي قد علمت مكان هذا الرجل مني و أنه عمي و قد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخرجه ليلا عنه لبلاغه ما لم يصح عليه و قد مضى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لسبيله و رأى أبو بكر و عمر ما رأياه و أنا أرى أن أصل رحمي و أقضي حق عمي ; و ليس هو شر أهل الأرض و في الناس من هو شر منه .فقال (عليه السلام) : و الله لئن أبقيته يا عثمان ليقولن الناس فيك شرا من هذا و شرا من هذا .انتهى هنا عملية الحكم بالاعدام بحق طريد رسول الله (ص) لازالت سارية المفعول واصبح هذا المحكوم امام عين امير المؤمنين علي (ع) ولكن التنفيذ لم يتم وذلك لاعتبارات راها امير المؤمنين من الاصلح ترك القصاص الان خصوصا وان امرة المسلمين خاضعة لشخص من نفس قبيلة المتهم .ولاننا نقتدي بائمتنا فيجب ان ينظر الى سلطان هاشم على انه الحكم ابن العاص واطراف المصالحة هم شخص عثمان والمطالبين باعدامه عليهم الاقتداء بامير المؤمنين (ع) .
وقد يعتقد ان هذا الراي قد يصبغ على سلطان البراءة من قبلي وهذا بعيد كل البعد لان كل من ينضوي تحت خيمة صدام البعث لابد له من ان يكون مجرم وتزداد مرتبته مع ازدياد اجرامه ولكن ترك قضية سلطان الان لما ترتبت عليه من خلافات كما وان عثمان اجاب الامام علي (ع) جواب هو بعينه الان نلامسه في واقعنا الحالي عندما قال له (; و ليس هو شر أهل الأرض و في الناس من هو شر منه ).، نعم هنالك من هم اشر منه وخصوصا المطالبين بايقاف الاعدام واستبدال الحكم ، فلو نظر الى نصيحة الموسوي وتم حكمه بالمؤيد لحفظت هيبة المحكمة من خلال حفظ حكمها ولقل الشد الدموي بين اطراف المصالحة التي لا تعترف احدى اطرافها الا بلغة الدم اذا ما احتدم الخلاف بشان مطلب ما ودائما يكون سلطان هاشم احد هذه المطاليب .
https://telegram.me/buratha