( بقلم : الدكتورة منى البغدادي )
ثمة قول لامير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) في وصف المتقين ذات دلالات بالغة وبليغة هو " نفسه منه في تعب والناس منه في راحة" وفي لازم القول او في مفهومه كما يقال منطقياً اذا كانت نفسه منه في راحة فالناس منه في تعب بالتأكيد. والذي ينشغل باخطائه وعيوبه ينسى عيوب غيره وبالعكس من ينشغل بعيوب الاخرين لا يتذكر عيوبه كمعادلة طبيعية. ولذا يقول امير المؤمنين(ع) ايضاً "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس"
ومشكلة الدكتور ابراهيم الجعفري زعيم التيار الاصلاحي الوطني انه يعيش الحالة الطاووسية بابشع صورها ويحاول عملقة ذاته وتقزيم الاخرين وشخصنة الوطن ومصالحه من اجل شخصه ومصالحه. لم تبرز هذه النتوءات والعقد في مرحلة المعارضة لعدم وجود سلطة ومواقع ومغريات رغم ان مشكلة مؤسسة دار الاسلام في لندن في عهد المعارضة العراقية السابقة قد كشفت قليلاً عن أنانيته وافقه الضيق عندما حاول الاستحواذ على هذه المؤسسة واقصاء السيد حسين الشامي في قضية غير خافية على الدعاة المقيمين في لندن. والجعفري يعيش هوس السطة وسحرها وقد أنسته السلطة الزائلة كل مواقفه ومبادئه وقيمه وتنكر وتكبر على الدعاة ولم يتذكرهم الى وقت الازمات والشدائد. ومشكلته الكبرى انه يعيش في ظل الاحلام السلطوية والاوهام ولم يراجع نفسه كداعية يرتبط بمنهج الشهيد محمد باقر الصدر بل انسلخ عن كل مواقفه ودعوته بمجرد وجد فسحة من السلطة ومغرياتها.لكي لا نتحامل على الدكتور الجعفري ولا نظلمه او نبخس حقه فعلينا ان نسوق الادلة الموضوعية ونتجاوز عن الانانية والذاتيات مع اني احترمه كداعية كنت متأثراً به كثيراً ومعجباً بكلماته وخطاباته التي تبين لي فيما بعد انها فارغة ولم تحمل مضامين او معاني عميقة بل هي عبارة عن تلاعب بالالفاظ وحشو مفردات كالشفافية والفسيفساء وما شاكل ذلك.
اود الاشارة العابرة الى مواقفه التي تفوح منها رائحة الانانية والنفاق ولا امتلك ادلة شخصية لكي اصاب بالشخصنة واكون مصداقاً لقوله تعالى " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" او اكون كما قال الشاعر :لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك اذا فعلت عظيم
الجعفري غرد خارج السرب الدعوتي منذ مؤتمر لندن والموقف العام لحزب الدعوة بعدم المشاركة فقد غادر لندن متوجهاً للولايات المتحدة الامريكية للقاء موظفي وزارة الخارجية الامريكية والتنسيق معهم فبقي منتظراً عشرين يوماً لكي يلتقي مسؤولاً اميركياً ولما التقى ممثل جورج بوش في مؤتمر لندن السفير زلماي خليل زاد سأله الاخير عن سبب التحرك بمفرده دون الانضمام الى مجموعة المجلس الاعلى التي من ضمنها حركة الدعوة الاسلامية بقيادة الشهيد المفكر الاسلامي ابو ياسين ( عز الدين سليم) فأجابه ببداهة وشفافية بان المجلس الاعلى يمثل اجندة ايرانية ونختلف معه في كثير من التصورات والافكار كولاية الفقيه..
هكذا يجيب الجعفري السفير زلماي خليلزاد بصراحة ووضوح وكأن زلماي قيادي من قيادات الحركة الاسلامية، في وقت كانت منابر حزب الدعوة ومكاتبهم وصحفهم تهاجم المشروع الامريكي ويتباكى الدعاة على امركة العراق او صهينته ويعارضون بشدة التبعية الاجنبية في وقت احد قيادييهم يستجدى المواقف في وزارة الخارجية الامريكية لكي لا يفوته من اللقمة العراقية حصة بعد التغيير.
وبعد سقوط النظام شمر الجعفري عن سواعد الجد والاجتهاد وداخل مجلس الحكم كأول رئيس بسحب الحروف الابجدية الالف ابراهيم والجيم الجعفري وحقق للشيعة حلمهم وشعارهم السابق "ماكو ولي الا علي ونريد حاكم (جعفري)" ويقصدون الصفة المذهبية الجعفري وليس الشخص طبعاً.
وتميز الجعفري بالتلاعب بالالفاط الانشائية واختيار المصطلحات الرنانة دون معاني ومداليل فقد اشنغل بتطريز العبارات المنمقة والمزخرفة بالكلمات الجميلة والفارغة بمحتواها فقد ذكر زعيم غربي بانه استمع الى الجعفري نصف ساعة دون ان يفهم عبارة مفيدة وفكرة معمقة سوى المفرادت الادبية المثيرة وكأنه يقرأ قصيدة نثرية.واثناء تشكيل الحكومة المؤقتة بعد انتخابات الجمعية الوطنية بدأ صراع تنافسي بين الدكتور احمد الجلبي والدكتور ابراهيم الجعفري والدكتور حسين الشهرستاني دون ان يكون للدكتور عادل عبد المهدي منافسة لانسحابه بوقت مبكر باشارة من السيد الحكيم لفسح المجال للمتنافسين الجدد في الائتلاف العراقي الموحد والتحضير والاعداد للترشيح في الحكومة المنتخبة الدائمة بعد انتخابات مجلس النواب..
وانسحب الدكتور حسين الشهرستاني خشية اللجوء الى الانتخابات داخل الائتلاف العراقي الموحد وما يمكن ان تعكسه من ايحاءات خطيرة على عمق الاختلاف داخل الائتلاف وغياب التفاهم التوافقي والانسجام السياسي داخله.واصرّ الجعفري على رئاسة الوزراء باي ثمن مؤكداً انه لا يطمح لرئاسة الحكومة لولا تكليفه الشرعي الذ ي فرض عليه قبولها.
ولما بدأ التنافس قوياً كان الاصوات تميل للدكتور احمد الجلبي باعتباره شخصية شيعية ليبرالية تحظى باحترام واهتمام الغرب والعرب اكثر من الجعفري الذي قد يؤلب الواقع العربي ضد العملية السياسية في العراق.ولكن الجعفري بقي صامداً مستقتلاً على رئاسة الوزراء وقد استفاد من رغبة يعض اطراف المرجعية الدينية من صعود اسلامي ومتدين لرئاسة الوزراء فتم الاتفاق على الجعفري دون اللجوء الى الانتخابات داخل قائمة الائتلاف العراقي باعتبارها القائمة الاكبر والاوفر حظاً بترشيح رئيس الوزراء. وهناك اتفاق غير معلن او اجماع سياسي او تفاهم ايحائي وتلميحي على صعود الجعفري لرئاسة الحكومة المؤقتة على ان يكون الدكتور عادل عبد المهدي رئيسا للحكومة القادمة.
وقد بدا رئيس الوزراء الجديد متلهفاً ومتعطشاً لرئاسة الحكومة واتخم آذان الصحفيين بالكلمات الفارغة التي لا تغني ولا تسمن من جوع فأخذ يردد الشفافية الف مرة في اليوم ولكن سلوكه غامضاً ومبهماً واستبعد الشرفاء من الدعاة وتنكر لتاريخه واخوانه بل والاغرب من ذلك كله نسى او تناسى ان مرجعيته السياسية والتي رشحته هي قائمة الائتلاف العرافي الموجد فتجاهل بكل غطرسة اجتماعاتها الدورية الاسبوعية او الشهرية حتى كأنه لا يمت للائتلاف بادنى صلة ولم يحضر الاجتماعات ابداً.
واما الوضع الامني في عهده فقد كان عهد الميليشات التي انتعش اداؤها الذهبي واخذت تخطف وتسلب وتنتهك الحرمات وتستغل حضورها في مراكز الشرطة ووسائل النقل وزي المغاوير بدعمه وتشجيعه واصبح طريق اللطيفية طريق الموت ومصيدة للزوار والمسافرين ولم يستطع تحرير كيلومترين في اللطيفية بل وفسح المجال للعصابات الخارجة على القانون لتعبث بامن البلاد والعباد وتعتقل من تشاء وتقتل وتحاكم من تشاء دون رقيب او حسيب.
ولما حصلت الازمة بين الصدريين والحكومة واحرق مجهولون مكتب الشهيد الصدر الثاني في النجف الاشرف وبدأت العصابات الاجرامية الخارجة على القانون مهاجمة وحرق مكاتب المجلس الاعلى ومنظمة بدر ومؤسسة شهيد المحراب في بغداد وبقية المحافظات اعطى الجعفري الذي كان قائداً عاماً للقوات المسلحة اوامره للجيش والشرطة بعدم التصدي للعصابات المهاجمة بل تم دعمها بسيارات واسلحة بعض مراكز الشرطة في مدينة الصدر بينما امر باعمار مكتب الشهيد الصدر معتذراً لمقتدى الصدر.
واعترف بهذه الحقيقة وزير الداخلية السابق ووزير المالية اللاحق المهندس باقر جبر الزبيدي والدكتور سعدون الدليمي وزير الدفاع السابق بان الجعفري منعهما من التصدي للعصابات الاجرامية التي احرقت منظمة بدر في الرصافة ومؤسسة شهيد المحراب في بغداد على مقربة من الشرطة بل وبمساعدة بعض عناصر الشرطة المجرمين. واستطاع الجعفري من تغييب مبلغ قدره اربعون مليون دولار اثناء توليه هيئة الحج والاوقاف دون ان يترك دليلاً او بصمة على التصرف بهذا المبلغ والنزاهة على علم بذلك.
وكل الجرائم والاغتيالات والخطف لمسؤولين كبار في الدولة حصلت في عهده الاسود وقد ظهر ابو درع وعصاباته التي خطفت رئيس اللجنة الاولمبية الدكتور احمد السامرائي(الحجية) وتم اغتيال شقيق طارق الهاشمي الفريق الركن عامر الهاشمي وغيره عن طريق عناصر ترتدي زي الشرطة وتستقل وسائلها النقلية. وبعد ذلك كله فقد مارس اخطاء قاتلة في حملته الانتخابية فحاولت مجموعة استغلت موقعه في تقوية مقرات حزب الدعوة في المحافظات ودعمها باموال الحكومة وتعبئة الجماهير للجعفري وحده.
واثناء الانتخابات منعت حماعته توزيع الاف البوسترات لنوري المالكي وبقيت في مخازن الحزب بامر الجعفري وتم طبع ملايين النسخ واللافتات مكتوباً عليها القوي الامين. وفي اليوم الذي تم فيه غلق مكاتب التصويت في يغداد وبقية المحافظات سافر الجعفري الى النجف الاشرف مستغلا الحماس الشيعي لقائمة (555) وقفز على الواقع ليركب الموجة فتحرك بقوة بعد نهاية الانتخابات لكي يضمن ترشيحه مجدداً لرئاسة الوزراء فوزع الملايين على العصابات الخارجة على القانون في مدينة الصدر ووزع سيارات حديثة (مونيكا) لقادة العصابات الاجرامية مستفيداً من الدعم من الاطلاعات الايرانية عن طريق النائب الهارب ابو مهدي المهندس وسكرتيره الاعلامي جواد طالب الكربلائي (ابو مجاهد).
وقد تمت المهزلة الانتخابية داخل الائتلاف العراقي الموحد بعد اصراره على رئاسة الوزراء ومحاولة تهديد بعض النائبات بقوة السلاح بضرورة ترشيح الجعفري على حساب الدكتور عادل عبد المهدي. وبعد الرفض الذي أبدته قائمة التحالف الكردستاني واعقبتها التوافق والعراقية وبروز اعتراضات دولية وعربية ومحلية على رفض مرشح الائتلاف العراقي الدكتور الجعفري لم يتراجع وترك البلاد والعباد في دوامة الازمات دون ان يتحرك لانقاذ الموقف ويتنازل مؤكداً بانه يرى نفسه الاولى بسبب الموقف الشرعي وهو الذي قال في المؤتمر الذي اعقب التصويت داخل الائتلاف وفوزه على منافسه الاقوى الدكتور عادل عبد المهدي قال "طلبت من اخي عادل عبد المهدي ان يعزيني ولا يهنئني على هذه المسؤولية الكبيرة"
وبعد الضغط الدولي عليه وعزله عن رئاسة الوزراء وصعود الرجل اللائق نوري كامل المالكي استنفر الجعفري كل قواه وعلاقاته لاضعاف المالكي والحكومة واسقاط الائتلاف واستغل قرب انتخابات الامين العام لحزب الدعوة الاسلامية لكي يعطي للدعاة والعراقيين انطباعاً على انه هو الاولى والاقوى ولكن القوى الامين فقد امانة حزب الدعوة في الانتخابات الاخيرة داخل الحزب وفوز نوري المالكي اميناً عاماً للحزب. فأخذ الجعفري يتخبط في مواقفه وتاه في عقدة الطاووسية والنرجسية القاتلة فوصلت به المتاهة والفوضى الفكرية والهوس السلطوي لتأسيس تيار اصلاحي ولا ندري ماذا يصلح فهل يصلح الجعفري ما افسده الدهر..
https://telegram.me/buratha