( بقلم : فالح غزوان الحمد )
منذ بدء الجدل حول قانون انتخابات المحافظات و رغم اتضاح أن القائمة الكردستانية لديها تحفظات على قضية كركوك بل و اتضاح أن قضية كركوك هي العقبة بوجه اتفاق القوى السياسية على إقرار المشروع و فشل موافقة مجلس الرئاسة عليه بعد إقراره الأول برغم كل تلك الحقيقة الواضحة إلا أن المتصيدين في المياه العكرة ما انفكوا يتهمون قوى سياسية بعينها من أنها تريد تأجيل الانتخابات للحفاظ على مناصبها الحالية و أنها تقول شيئا و تظهر رغبة في إجراء الانتخابات في موعدها في حين أنها لا ترغب واقعا في ذلك و تسعى إلى العرقلة و التأجيل ..
لا أعرف لماذا تذكرني هذه الادعاءات بتلك التي توجه للمكون الشيعي من أنه يدين بالولاء لإيران و معجمو الشيعة ما انفكوا يرددون أقوالهم التي تشكك بوطنية العراقيين في الجنوب ربما لأن كلا الادعاءين يفترضان نية محددة للآخرين و يؤسسان لموقف على ضوئها ، و لا يخفى أن النوايا لا يعلمها إلا الله و ليس من حق أي شخص القول بأن نية الآخر فردا أو جماعة هي هذه و لا تطابق فعله ذاك ما لم يكن ثمة دليل و قرائن قوية تعضد الادعاء و تحيله إلى حقيقة أو شبه حقيقة على الأقل . وفي قضيتنا المطروحة لو كان القارئ ممثلا عن أو من كوادر تلك الأحزاب المتهمة فما الذي بوسعه عمله ليظهر أنه راغب في الانتخابات و ضرورة إقرارها في موعدها ؟ هل هناك طريق آخر لعرض الموقف السياسي غير التصريحات و التأكيدات المستمرة لعدة أشهر و كلها تؤكد على ضرورة الانتخابات ؟ أم أن المطلوب أداء قسم أو يمين مثلا على غرار ما فعله صدام في نزاعه من المجتمع الدولي حول أسلحة الدمار و إرساله بيانا للأمم المتحدة أقسم فيه بشرفه أنه لا توجد أسلحة دمار شامل لديه !!
على أننا لو أردنا تحليل الواقع السياسي الحالي لما خرجنا إلا بنتيجة مفادها أن هذه الأحزاب و منها المجلس الأعلى و حزب الدعوة و حتى جبهة التوافق ، هذه الأطراف المشكلة للحكومة حاليا بالإضافة إلى الكرد ، هي آخر من يفكر بالعمل لأجل عرقلة الانتخابات في موعدها المقرر لها بل و أن عملية اللغط و إثارة الجدل حول قانون الانتخابات لا يصب إلا في مصلحة المعارضين كالتيار الصدري و الفضيلة و القائمة العراقية و غيرها . و هذا مبني على عدة أساب منها :
إن المواطنين العراقيين ينتظرون الانتخابات القادمة بما يفوق انتظاراتهم السابقة بناء على أنهم يتطلعون إلى رؤية حكومات محلية جديدة تحل محل الحكومات الحالية التي و للأسف عجز الكثير منها عن أداء مهماته بشكل صحيح و سليم ، أما القول إن المواطن اليوم لا يعير الانتخابات أهمية كبيرة فما يجب فهمه إن صح هذا القول هو أنه ربما لا يعير حد اللحظة عملية اقتراعه هو نفسه و كردة فعل طبيعية فإنه قد يقرر عدم الذهاب إلى الانتخابات و لكنه متشوق تماما إلى إجرائها ليرى تغييرا في المشهد الساكن حاليا .
وهذا ما يجعلني أشك بأن الإقبال على الانتخابات القادمة سيكون ضعيفا و لا سيما إذا ما علمنا أن الشخصية العراقية شخصية اللحظة بكل جدارة فالقرارات المصيرية كثيرا ما تتخذ عراقيا في لحظة مباغته و قد يحدث متغير جديد يدفع الناس إلى المسارعة في الاقتراع . و أيا يكن الأمر فإن الأحزاب التي يتهمها الآخرون بالسعي للتأجيل و العرقلة و ما شابه ذلك تعرف حق المعرفة رغبة الناس تلك حيث يتشوق أغلب العراقيين للحظة الانتخابات المقبلة كجزء من المراهنة على إمكانية تغيير الأوضاع الخدمية بشكل خاص في شتى المحافظات العراقية و في حال إقدامها على العرقلة أو الوقوف بوجه إقرار قانون الانتخابات و الاستمرار بذلك فهي ستفقد الكثير من التأييد و سينظر إليها بمنظار آخر و كل ذلك مما يقوي من خصومها السياسيين بالقدر الذي يسهم في إضعافها . سبب آخر يمنع الأحزاب العراقية المعنية من تأجيل أو إلغاء الانتخابات وهو إن هذه الأحزاب تعلم أيضا أنها مهما وقفت بوجه إجراء الانتخابات فلن تكسب من العمر السياسي سوى بضعة أشهر لن تغني و لن تجدي بشيء لصالحها في مقابل ما ستتعرض لها مصداقيتها من خطر في الشارع العراقي .
و سبب ثالث من الأسباب التي لا يمكن بفعلها لهذه الأحزاب أن تقف موقفا كالذي تُتَّهم به وهو ما أظهرته من إيمان بالعملية الديمقراطية و بناء العراق الجديد على أساس النظام الديمقراطي التعددي فيما نعلم مسبقا موقف الأخرين الذين يكيلون الاتهامات تجاه النظام الديمقراطي و الذي يعرّفونه بأنه مشروع أمريكي استعماري و إلى آخر هرائهم الذي نسمعه بشكل شبه يومي .
في المقابل يسعنا القول إن هناك قوى سياسية تصب قضية التأجيل لصالحها بنفس القدر الذي يوفره لها اتهام الأحزاب الأخرى من مصالح لها . فالتيار الصدري مثلا مهدد بعدم الاشتراك في الانتخابات القادمة على خلفية عدم حله للمليشيات المسماة بجيش المهدي بشكل واضح ما قد يدفع المحكمة الدستورية إلى حرمان اتباعه من الانتخابات ، و لا شك أن الوضع الحالي حيث وجود تمثيل يتفاوت بين المطلق كما في العمارة و المتوسط و الضعيف كما في أغلب المحافظات أفضل حالا من اللاشيء و هذا تماما ما قصده سماحة الشيخ جلال الدين الصغير حين رأى أن القوى التي تعرقل إقرار القانون و الوصول إلى توافق بشأنه هي التي تريد البقاء في السلطة . و على أية حال فإن الاتهامات التي توجه جزافا و بدون أية أدلة واضحة و مقنعة هي اتهامات لغايات سياسية واضحة هدفها التشويه و الاستعداء للشعب ضد الأحزاب الوطنية فمن الواضح أنها اتهامات تضمر تخوين الآخرين و التشكيك بمواقفهم و نواياهم و هذا ما أوضحه السيد المشهداني رئيس البرلمان للنائب الصدري بهاء الأعرجي و هو يقصد طرفا بعينه دون غيره في محاولة يائسة لتشويهه رغم أن هذا الطرف أظهر كل ما بوسعه عمله من أجل المطالبة بإقرار قانون انتخابات المحافظات ..
https://telegram.me/buratha