بقلم: فالح غزوان الحمد
السياسة فن الممكن ، و الممكن إنما هو الممكن تحقيقه من الفرص لإخراج المشروع السياسي من حيز النظرية إلى التطبيق على الأرض . و السياسة مجال الواقعيات المؤتلفة في نظام معين تملي على السياسي أن يتخذ خطواته بهدي مما هو متوفر و متواجد بين يديه . وفي السياسة يشفع لك أن تتحالف و تعقد الصفقات مع قوى سياسية أخرى و بما يمكن أن يصب في مصلحة القوى المتحالفة وهي إن لم تتحالف معها تحالفت مع غيرك ضدك وهذا من بديهيات السياسة المعروفة . ولكن عملية التحالف و عقد الصفقات السياسية ليست مشروعة على الدوام بل تكتسب شرعيتها و مقبوليتها من كونها لا تتجاوز على الثوابت و المبادئ الوطنية . و أرقى أمثلة التحالفات السياسية هي التي تتمتع بـ :- أنها لا تضر و لا تتعدى على مصلحة الوطن و المواطن - أنها تسهم في تدعيم اللحمة الوطنية لا سيما إذا كانت بين أطراف سياسية تمثل عدة مكونات قومية أو دينية كائتلاف حزب عربي مع آخر كردي في الوضع العراقي .- أنها ليست تحالفات طارئة و مؤقتة و لا تمتلك أي عمق يذكر و ألا تكون موجه ضد الآخرين خارج ما هو مشروع من التنافس في ميدان العمل السياسي . و من خلال هذه الشروط يتضح أن العبارة التي يرددها البعض " السياسة لا قلب لها " هي مجرد عبارة مجازية أو هكذا يجب أن تكون ، إذ أن السياسة حين تكون بلا قلب فلا يعني ذلك سوى أنه لا قلب للسياسي بمعنى آخر أنه بلا موقف و لا مبادئ و لا ثوابت . و سياسي كهذا اقرب إلى رجل المافيا الذي يدخل اليوم في تحالف مع هذه العصابة أو تلك وفي اليوم التالي ينقلب عليها و يدخل معها في معارك ضروس . حين ردد مقتدى الصدر تلك المقولة كان في الواقع يبحث عن تحالفات فاقدة للشروط السابقة ، إنها تحالفات من يرى السياسة معركة بلطجية و شقاوات تدور رحاها في الأزقة و الشوارع و الحارات . فالإنسان الشقيّ و البلطجي يسعى من منطلق إيمانه بالفوضى إلى أن يأخذ راحته التامة في فوضويته و يرى للآخرين الأشقياء و البلطجيين فرصة أن يمارسوا فوضويتهم أيضا .. و لهذا فالتحالف يجب أن يكون فوضويا و شعاره الفوضى لا محال .. و لم تكن الحكومة في وارد الدخول بما يقدمه مقتدى من أطروحات لا قلبية و لا سياسية مقنعة و واقعية .أخيرا عرض مقتدى الصدر تأييده للحكومة العراقية في الشارع ، الشارع الذي يريد السيد مقتدى مصادرته و كتابته باسمه و كأن العراقيين حتى الذين في الأصلاب و الأرحام و لم يخلقوا بعد هم من مؤيدي مقتدى قائد الضرورة الجديد و كأن ليس أتباعه مجرد شراذم هنا و هناك ..و كأن ليس التيار الصدري هو القوة المنبوذة من أغلب الجهات السياسية الفاعلة على الساحة . هذا العرض للتحالف مع الحكومة العراقية أو مع الأحزاب التي تتمثل منها الحكومة كان مقابل رفض أي اتفاقية مع الولايات المتحدة و بأي شكل من الأشكال !إن هذا الموقف لو كان ذا خلفية وطنية و إن تكن ممزوجة بالجهل السياسي و التجاهل للواقع الملموس لكان لنا أن نتفهمه بقدر معين و لكن القضية ليست كذلك . فمما يجدر ذكره هنا للقارئ الكريم هو و للأسف الشديد أن أطرافا معينة دخلت في مساومات مع مقتدى لشراء موقف قطعي و نهائي تجاه المعاهدة طابعه الرفض المطلق لها في مقابل أن يحظى بنوع من التأييد من بعض رجال الدين و المتسمين ببعض العناوين . و أهم مكتسبات مقتدى من هذه الصفقة هو منح غطاء شرعي من البعض الذين ليس لهم تأثير كبير على الشارع العراقي أصلا لمليشياته المنهارة و بشرط تغيير اسمها من جيش المهدي إلى مجاميع خاصة للمقاومة العراقية . فوسط هوس الرجل بالاحتفاظ بمليشيا مسلحة كان له أن يقدم كل ما هو مطلوب في سبيل الوقوف إلى جانبه للحفاظ على تلك المليشيات و منحها شرعية يظن أنها كافية لتبرير بقائها و القيام بأعمالها المخزية . كل عراقي شريف و غيور له أن يقارن هذا النوع من التحالفات و الصفقات التي تسقط فيها ورقة الوطن و مصلحته تماما لحساب أوراق و مصالح خارجية و شخصية . الغريب أن مقتدى و أتباعه ينعقون ليل نهار مشنعين على قوى وطنية معروفة بثوابتها و مبادئ حراكها السياسي و اتهامها بشتى التهم الباطلة لمجرد أنها تتحالف مع قوى السياسية عراقية و من داخل الوطن و في سبيل مصلحة المجموع .. ولمثل هذا فليعجب العاقل . فالح غزواناشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha