الشيخ فؤاد الاسدي/ استاذ الحوزة العلمية في النجف الاشرف
أطلعت على البيان الاخير الذي أصدره السيد مقتدى الصدر حول المقاومة والجهاد وقضايا اخرى متعددة.واحاول في هذا السياق مناقشة افكار السيد مقتدى الصدر التي جاءت في البيان المذكور مستبعداً النقاش الفقهي وطلاسمه او الغازه وتعقيداته لكي تكون هذه المناقشة منسجمة مع مستويات المتلقين والقراء وقدر ما يمكنني التبسيط والتوضيح والبيان للخروج قليلاً عن الفكر الفقهي التخصصي واشكالياته. مشكلة السيد مقتدى الصدر انه لم يرتكز على رصيد حوزوي علمي استدلالي لتدعيم ارائه وتصوراته واحياناً (فتاواه) ويقحم نفسه في قضايا استنباطية واستدلالية تحتاج الى عمق فقهي وخبرة في اصول الفقه وهو ما لا يتوفر للسيد مقتدى الصدر.وربما هذه من احدى القضايا الكارثية التي دفع الصدريون ثمنها ومازالوا يدفعون بسبب غياب الوعي الاستدلالي والاستنباط الفقهي للسيد مقتدى الصدر وبقية المعميين الصدريين.وقد يقال بان الافكار والتصورات المطروحة لا تحتاج الى المزيد من الرؤية الاستدلالية والعمق الاستنباطي لسهولتها ومرونتها وكثرة تداولها وتعلقها بالامر بفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه قضايا متوفرة ولا تستدعي فقاهة وعمق استدلالي وقدرة استنباطية.ولكن قد يقال أيضاً ان المساحات التي امتد فيها السيد مقتدى الصدر والصدريون تستدعي مواقف وممارسات وتضحيات واراقة دماء وانتهاك حرمات وهذا لا يمكن ان يقررها الا الفقهاء جامعو الشرائط ويمتلكون ملكة اجتهادية تجعل تلك المواقف والممارسات مبرئة لذمة المكلفين.ولم يدفعني الى هذا الموضوع واثارته وخطورة طرحه الا الموقف الشرعي وبيان الحقائق لكي لا تظهر البدع في الدين ويظهر المبتدعين وتغيب اصوات الفقهاء والعلماء.ما يطرحه السيد مقتدى الصدر لم يكن تحليلات وتصورات ذوقية بل يطرح اوامر والزامات ونواهي ويتحدث بالجهاد الابتدائي والدفاعي والغرابة في الامر ان الجهاد الابتدائي لا يمكن الامر به الا الامام المعصوم او من ينوب عنه بحسب الاجماع العلمائي، بينما يعطي السيد مقتدى الصدر اراءه في هذه القضايا الخطيرة دون ان يمتلك اي افق اجتهادي وعمق استدلالي باتفاق الجميع.وان الاوامر التي تؤدي الى اراقة الدماء وازهاق الارواح تحتاج الى مسؤولية فقهية ومرجعيات دينية تأخذ على عاتقها البت في مثل هذه القضايا وليس الى اشخاص عاديين يقودهم الانفعال والارتجال في كل المواقف والاراء.وفي سياق إجابته على سؤال وجهه اليه جمع من محبيه وانصاره حول قضايا المقاومة والاتفاقية الامنية وغيرهما يجيب السيد مقتدى الصدر عليها بطريقة ارتجالية ومزاجية ثم يعرج بطرح قضايا ركيكية ومتناقضة سنشير الى ما طرحه السيد مقتدى الصدر وسنضع اقواله وفتاواه بين قوسين للامانة في النقل والموضوعية وسنناقش مجمل ما طرحه بطريقة علمية نحاول فيها التبسيط والتوضيح قدر الامكان.يقول السيد مقتدى الصدر في جوابه ( اعلموا اني ممن يتبنى رأي ان المقاومة حق مشروع عقلاً وشرعاً وقانوناً وواجبة..)ويرد عليه بما يلي:1- لم يوضح المقصود بالمقاومة ومن يحددها ومن يتحمل الدماء التي تراق في ادائها؟ ثم اشار الى ان المقاومة حق مشروع عقلاً لكنه لم يحدد ماهو المقصود من لفظة (عقلاً) فهل عقول الناس وعقله وعقول الصدريين بشكل عام ونحن نعلم ان العقول تتفاوت بألقها وادراكها وتشخيصها للحكم الصحيح باعتبار ان هناك عقول راجحة وعقول مربكة فاي العقول يقصد السيد مقتدى الصدر وما هو المقصود بالعقلاء فهل جميع من يمتلك عقلاً يكون ادراكه للمقاومة حق سيكون هذا الادراك شرعياً؟ ان هذه القضية اصبحت من القضايا المعقدة اثارت جدلاً واسعاً في علم الكلام وفقه الاصول وقد اختلف المعتزلة والاشاعرة في ارجيحة العقل وان ما يدرك العقل قبحه سيكون قبيح شرعاً وما يدرك حسنه سيكون حسناً شرعياً وقد خصص مبحث في علم اصول الفقه اطلق عليه مبحث القبح والحسن العقليان، ولا نريد التوسع والتعمق به لخروجه عن موضوعنا وتعلقه بذوي الاختصاص.2- يقول السيد مقتدى الصدر ( اني قد أخذت ابراء الذمة من ((باب الاحتياط)) عن ما وقع من جهاد دفاعي ضد المحتل واذن اخر باستمرار المقاومة من اكثر من مرجع أطال الله اعمارهم ومتعنا الله بظلهم وحسهم الجهادي) .. وهنا يقع السيد مقتدى الصدر بنفس الاخطاء السابقة ويشعر انه اخذ ابراء ذمته من باب الاحتياط عما وقع من جهاد دفاعي ضد المحتل ولكنه لم يوضح كيف برأت ذمته باعطاء الاوامر وما ترتب عليه من دماء وفتن داخلية وانتهاك اعراض وسرقة وخطف لاموال وممتلكات الناس والحكومة.ويشير الى باب الاحتياط وهنا الهفوة الكبرى فالاحتياط لا يدعو الى هتك الحرمات واراقة الدماء في مواجهة المحتل بالعكس الاحتياط يتطلب الاحتياط بالدماء وعدم الامر بأمر قد يترتب عليه مخاطر جدية فكيف يعتمد على الاحتياط ومن خوله بذلك ومن هو المعني بالزام الناس بالاحتياط فهذا تطفل وتدخل واضحين في اختصاص الفقهاء والمجتهدين.ثم يدعي بان اخذ اذن اخر باستمرار المقاومة من اكثر من مرجع أطال الله اعمارهم ونساله بدماء ابيه الصدر اي المراجع هؤلاء الذين اعطوا له اذناً بالمقاومة ونريد ان يعطينا اسم مرجع واحد افتى بشكل واضح بذلك ، ولا مبرر لعدم ذكر مثل هؤلاء المراجع الكرام لقضية مهمة وخطيرة.
https://telegram.me/buratha