بقلم: احمد عبد الرحمن
يذكر مستوى الاستقبال والحفاوة البالغة التي لقيها نائب رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم في العاصمة السورية دمشق في زيارته الاخيرة اليها، بالزيارات التي كان يقوم بها مؤسس وزعيم المجلس الاعلى الشهيد السيد محمد باقر الحكيم لسوريا في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد خلال عقد التسعينات.واذا كانت زيارة السيد عمار الحكيم الى سوريا قد جاءت بعد متغيرات وتحولات سياسية عميقة في الوضع العراقي، وتداخلات وتشابكات وتحديات لم تكن دمشق بأي حال من الاحوال بعيدة عنها، فأنها في واقع الامر لم تشكل بداية لمسيرة علاقات وتواصل مع العراق كدولة، او مع المجلس الاعلى ككيان سياسي له تأريخه وعمقه وتأثيره وحضوره السياسي داخل وخارج العراق، بل انها-أي الزيارة-مثلت استمرارا واستكمالا لمسيرة طويلة من العلاقات القائمة على اساس الفهم المشترك لمعطيات الواقع، والمصالح المتبادلة، والقواسم المشتركة بين بغداد ودمشق.التقى السيد عمار الحكيم في دمشق بالرئيس بشار الاسد، والتقى كذلك بنائبه فاروق الشرع، وقيادات سورية رفيعة المستوى، وقد تم بحث جملة من القضايا، من بينها سبل تعزيز الانفتاح العربي على العراق، ومساعدته ومساندته في مجالات مكافحة الارهاب، والبناء والاعمار والاستثمار، ودعم ومساعدة ابناء الجالية العراقية المتواجدين في سوريا، والذين جاء اغلبهم اليها نتيجة الظروف والاوضاع الامنية السيئة التي اوجدتها الجماعات الارهابية المختلفة خلال الاعوام القلائل الماضية.والامر المهم في مباحثات نائب رئيس المجلس الاعلى بدمشق انه لقي تفهما وادراكا سوريا لمعطيات الواقع العراقي، وتجاوبا واستعدادا من اعلى المستويات لتقديم اقصى الدعم للحكومة العراقية في مختلف المجالات، وانعكس ذلك بوضوح من خلال وقائع المباحثات مع الرئيس ونائب الرئيس والمسؤولين السوريين الاخرين.واذا كان لدمشق تحفظات على طبيعة الوجود العسكري الاجنبي في العراق لما يمكن ان يترتب عليه من اثار وتبعات على واقع المنطقة وتوازنات القوى فيها، لاسيما وان ملفاتها متداخلة ومتشابكة من حيث مشاكلها وعناصرها والادوات الموجهة والمحركة لها، الا انها في ذات الوقت تتفهم طبيعة الواقع السياسي والامني العراقي، والسياقات العملية والناجعة لانهاء ذلك الوجود، وتتفهم ان معظم-ان لم يكن جميع-القوى السياسية العراقية تسعى الى استعادة السيادة الكاملة، وطوي صفحة الوجود الاجنبي من البلاد.وحينما تتمحور مباحثات الساسة العراقيين مع اشقائهم في دمشق وعواصم عربية اخرى حول ضرورات الانفتاح العربي على العراق، فأن ذلك يعني ان هناك ثغرات ونقاط ضعف ومؤشرات نقص لابد من تلافيها وتجاوزها، حتى يصار الى تصحيح المسارات الخاطئة، لان تعزيز الانفتاح والتواصل والحضور العربي الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي في العراق، يمثل احد ابرز مقومات وعوامل التسريع بأنهاء التواجد الاجنبي فيه، الى جانب مساهمته في التخفيف من الاحتقانات والتشنجات ذات الصبغة الطائفية والمذهبية.وارتباطا بموقع دمشق وتأثيرها وثقلها في الساحة العربية، وقربها الجغرافي من العراق، وعلاقاتها التأريخية الجيدة مع الاطراف المتصدية لادارة شؤون البلاد في بغداد، فأنها يمكن ان تلعب دورا فاعلا ومحوريا في الدفع بأتجاهات صائبة وسليمة، ولاشك انها خطت خطوات مهمة خلال العامين الماضيين، على الاصعدة الامنية والسياسية والاقتصادية والانسانية، انعكست اثارها على مجمل المشهد العراقي العام.وقد لايختلف الامر كثيرا عن القاهرة التي مثلت المحطة الاولى لجولة السيد عمار الحكيم العربية، فالاهتمام المصري بزيارة نائب رئيس المجلس الاعلى، عبر في جانب منه عن اهتمام كبير وجدي بالشأن العراقي، ذلك الاهتمام الذي عكسه احتضان القاهرة لعدد من المؤتمرات والملتقيات السياسية والاقتصادية حول العراق، واستقبالها لكبار القادة والزعماء السياسيين العراقيين، وتأكيدها المستمر على استعدادها لتقديم كل ما من شأنه معالجة وحل المشكلات السياسية وغير السياسية التي يواجهها، وجهودها ومساعيها الايجابية لتجسير الهوة بين بعض القوى السياسية العراقية والتوصل الى توافقات سياسية لابد منها للتقدم الى الامام. ومثلها مثل دمشق، فأن للقاهرة تأثيرا كبيرا في تعزيز افاق وفرص وامكانيات الانفتاح العربي على العراق، وتهيئة الظروف والارضيات والمناخات المناسبة للتقريب بين العراق واشقائه العرب. ولعل جانبا كبيرا من ذلك الاهتمام انعكس من خلال وقائع زيارة نائب رئيس المجلس الاعلى واللقاءات التي اجراها مع كبار المسؤولين هناك، سواء في الحكومة المصرية، او في جامعة الدول العربية، او في اوساط ونخب فكرية ودينية وثقافية مصرية.والشيء المهم الاخر هو توقيت زيارة السيد عمار الحكيم للقاهرة ودمشق، اذ انها جاءت كجزء من حراك سياسي بين بغداد وعواصم عربية واقليمية ودولية عديدة، تمثل بزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اوردغان لبغداد، وقبلها زيارة وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبد الله بن زايد ال نهيان، ومن ثم زيارة رئيس الوزراء العراقي لدولة الامارات العربية المتحدة، وبعدها جولته الاوربية التي شملت كل من المانيا وايطاليا والفاتيكان، وزيارة المرشح الديمقراطي لرئاسة الاميركية السيناتور باراك اوباما، ورئيس الوزراء البريطاني جوردن براون، ورئيس تيار المستقبل اللبناني سعد الحريري لبغداد.كل ذلك عبر بشكل او باخر عن طبيعة الحراك الداخلي في العراق والمتغيرات المهمة امنيا وسياسيا، والتي لايمكن ان تؤتي ثمارها بالكامل ما لم تقترن بحراك خارجي بنفس المستوى والوتيرة.
31-7-2008
https://telegram.me/buratha