بقلم مجاهد منعثر منشد الخفاجي
قال تعالى ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وأن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم 1.. وقال تعالى :ـوإذا حضر القسمة اولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً 2جاء عن معنى اليتيم في اللغة :ـ الفرد من كل شيء. يقال : بيت يتيم ، وبلد يتيم. ومن الناس من فقد أباه. ومن البهائم من فقد أمه. وحيث كانت الكفالة في الإنسان منوطة بالاب كان فاقد الاب يتيماً دون من فقد أمه. وعلى العكس في البهائم ، فإن الكفالة حيث كانت منوطة بالام كذلك كان من فقد أمه يتمياً. وقد حدد اللغويون نهاية هذا العنوان فقال الليث : اليتيم ، الذي مات أبوه ، فهو يتيم حتى يبلغ الحلم فإذا بلغ زال عنه إسم اليتم.فالقرآن الكريم اعتبر من يدعُّ اليتيم مكذّبا بالإسلام . يقول تعالى : أرأيت الذي يكذّب بالدين . فذلك الذي يدعُّ اليتيم 3..ويتفق الفقهاء مع اللغويين بتحديد اليتيم إلى هذا الحد ، فهم يرون أن هذا العنوان يتمشى مع الطفل إلى حد البلوغ الشرعي ، والذي تقرره الشريعة المقدسة بظهور واحدٍ من علامات ثلاث : 1 ـ إنهاء الطفل خمسة عشر عام من عمره إذا كان ذكراً ، وتسعة إذا كان إنثى.2 ـ إنبات الشعر على عانته. 3 ـ الإحتلام بخروج المني منه ، أو الحيض من الانثى .ولم يقتصر إطلاق عنوان اليتيم على الطفل قبل بلوغه بل أطلق على البالغين أيضاً ، ولكنه إطلاق مجازي ، وليس باطلاق حقيقي كما كانوا يسمون النبي (ص) وهو كبير : «يتيم أبي طالب» ( عليه السلام ( لانه رباه بعد موت أبيه وفي الحديث : تستأمر اليتمية في نفسها فإن سكتت فهو أدنها.يقول المفضل : أصل اليتم الغفلة ، وبه سمي اليتيم يتيماً لانه يتغافل عن بره. 1لاحظ للموضوع من ناحيته اللغوية : لسان العرب / مادة يتم. ومن الناحية الفقهية كافة المصادر الفقهية لجميع المذاهب .و اطلق القرأن الكريم وصف اليتيم بصيغة الإفراد والتثنية والجمع وكرر لفظ اليتيم ومشتقاتها أكثر من عشرين مرة في الكتاب .. واليتيم شخص كامل في شخصيته ,,فاليتيم ليس عيب أو تهمة .وأن اليتيم شخص وحيد منقطع مهمل ..وهو ليس ضحية القدر بل قدمه القرأن الكريم على انه قضية انسانية .ونظرة الاسلام لليتيم نظرة إيجابية واقعية فاعلة ..ودورها الاساسي هو عنصر الإيمان وحافز الثواب ..فلايعتبرهم الاسلام عالة ولا عب على المجتمع .. وإنما هم من المنظور الشرعي حسنات مزروعة تنتظر من يحصدها ليفوز بجوار النبي (ص) واله الاطهار (ع) ورفقتهم يوم القيامة .وإن مظاهر الظلم والقهر والإهمال وكل الاضطرابات النفسية التي تحتل نفوس معظم الأيتام ، لا علاقة لها باليتم أو بفقد النسب ، بل هي من صناعة المجتمع الذي يهمل يتاماه . ولهذا لم يخاطب القرآن الكريم اليتيم لأنه لا دور له في ما حصل له ، بل اليتم قدر من الله تعالى لحكمة يريدها . وإنما انصرف بخطابه إلى المجتمع مباشرة يحمله وزر التفريط في فئة من أبنائه كما في الآيتين السالفتين ، لأن ضمير الخطاب فيهما عائد على الجماعة المسلمة ، كل من موقعه . ونظير ذلك قوله تعالى : { وأن تقوموا لليتامى بالقسط}4... وقوله تعالى : {كلا بل لا تكرمون اليتيم } 5... وقوله تعالى : {وأما اليتيم فلا تقهر } 6..... . واضعا بذلك أسس المعاملات التي تحمي اليتيم من كل أشكال الظلم الاجتماعي والقهر النفسي .وأن النبي (ص) كان كافلاً ليتيم يربيه ويقوم بمعيشته.وكان هذا اليتيم يؤذي رسول الله (ص)، طفل يؤذي رسول الله (ص)، مات هذا الطفل ويحزن عليه رسول الله (ص)، بعض مرافقي النبي (ص) قالوا: يا رسول الله لو تريد يتيماً آخر نأتي به.وفيما روي عن رسول الله(ص) أنه قال: «أنا وكافل اليتيم كهاتين» يعني كافل اليتيم في جواري في الآخرة أو في الجنة.قال النبي(ص): لا هذا اليتيم كان يؤذيني فكان أجري في تربيته أكثر.و عن النبي (ص) قوله خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه 7 .وجاء في سفينة البحار عن رسول الله (ص) أن عيسى بن مريم (عليه السلام) مر بقبر يعذب صاحبه ، ثم مر به من قابل ، فإذا هو ليس يعذب فقال : يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب ، ثم مررت به العام ، فاذا هو ليس يعذب فأوحى الله عز وجل إليه : يا روح الله . . . أنه أدرك له ولد صالح ، فأصلح طريقاً ، وأوى يتيماً ، فغفرت له بما عمل إبنه . كان الرسول (ص) يمسح على رأس اليتيم ويقول: «من مسح على رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له في كل شعرة مرت عليها يده حسنات ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين» وفرق بين أصبعيه السبابة والوسطى.و عن الإمام علي (ع) : "الله، الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فإني سمعت حبيبي رسول الله يقول مَنْ عال يتيماً حتى يستغني عنه أوجب الله له بذلك الجنة. و إنه لايصح شرعا ولا طبعا ولا وضعا أن يحرم هؤلاء مرتين . مرة من حنان الأمومة وعطف الأبوة ، وأخرى من رحمة المجتمع ورعايته ..يقول تعالى : { وإن تخالطوهم فإخوانكم }8...ويقول تعالى في موضع آخر : فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم 9..إنهم إخواننا في الدين . ومن هنا ينبغي أن تبدأ علاقتنا بهم وسط مجتمع مسلم أدبه الإسلام ووصفه القرآن بأنه لا يدع اليتيم ولا يقهره ولا يأكل ماله ..يقول الألوسي في تفسيره على الآية السابقة : [ المقصود : الحث على المخالطة المشروطة بالإصلاح مطلقا ، أي : إن تخالطوهم في الطعام والشراب والمسكن والمصاهرة ، تؤدوا اللائق بكم لأنهم إخوانكم ، أي : في الدين ] .هو : المأوى . وهذا عين ما ذكره القرآن في التفاتة رحيمة بهذه الفئة . قال تعالى مخاطبا قدوة الأيتام : { ألم يجدك يتيما فآوى ؟ } 10.. هذا أفضل ما عولجت به ظاهرة اليتم في شتى المجتمعات : توفير المأوى والملاذ الآمن لكل يتيم ، وبسرعة كبيرة على مايفيده العطف بالفاء . فكأن الآية خطاب إلى الأمة بالنيابة مؤداه : أيتها الأمة أمني لكل يتيم مأوى .إذا كان اليتم هو : انقطاع الصبي عن أبيه ، فإن الإيواء هو : ضم الشيء إلى آخر . ولك أن تتخيل مدى التكامل في الآية التي نزلت دستورا للمجتمع . قطع هنا باليتم ، ووصل هناك بالإيواء ، يعني : لا مشكلة أبدا .فاليتيم وهو فقير بحاجة إلى من يمد له يد العون فيشبع له بطنه ، ويستر له عريه ولذلك تنوعت دعوة القرآن إلى مساعدة الضعفاء ، والاخذ بأيديهم لتأمين احتياجاتهم المعاشية ..قال تعالى :ـوانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور 11..
وقال تعالى :ـ فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير 12.وايضا قوله عزوجل :ـ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم 13.وذكر عز من قائل :ـومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل حبة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير14. رعاية اليتيم واضحة عبر الشرائع السماوية نرى القرآن الكريم يعرض قصة النبي موسى(ع) مع العبد الصالح ( الخضر ) (ع) حيث وجدا في سفرهما « جداراً يريد أن ينقضي فأقامه » وأصلحه الخضر بدون أجر يأخذه على ذلك العمل. لذلك كان هذا المنظر غريباً على موسى. قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا 15.وتمر لحظات ينتظر فيها موسى الجواب الشافي من الخضر فاذا به يكشف الحقيقة قائلاً : (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري 16 (لقد حفظ الله بعنايته لهذين اليتيمين كنزهما المذخور جزاء لصلاح ابيهما وقد ذكرت كتب التفسير أنه كان ذلك جزاء صلاح أب لهما بينهما ، وبينه سبعة آباء.اموال اليتامىقال تعالى :ـوأتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم انه كان حوباً كبيراً 17.. (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) 18.ثم ذكر آية مفردة في وعيد من يأكل أموال اليتامى، وحدد فيها نوع الجزاء والعقاب، فقال تعالى : (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً)19.وفي موضع اخر قال سبحانه :ـولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون20..وعن النبي صلى الله عليه واله وسلم: ((كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به))21.كما جاء عن الامام الصادق (ع) قوله : إن أكل مال اليتيم يخلفه وبال ذلك في الدنيا ، والآخرة . أما في الدنيا : فان الله تعالى يقول : فليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله . وأما في الآخرة فان الله عز وجل يقول : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً.قال تعالى :ـفلا اقتحم العقبة ، وما أدراك ما العقبة . فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة 22.فمن اراد أن يقتحم العقبة ويضمن الخلود في الاخرة لابد من اجتيازها ولايتم اجتيازها الابمراحل اعده الله سبحانه وتعالى في الاية المباركة المذكورة .ومن ذلك نلاحظ تركيز كتاب الله الكريم على حقيقة الاحسان والتحسس بشعور الآخرين والعطف نحو الطبقات الضعيفة.وأن ال بيت العصمة (سلام الله عليهم ) كانوا قدوة للمسلم وغير المسلم لرعاية الايتام ومن كافة طبقات المجتمع منهم المسكين والاسير والمعوز .واتفق علماء الاسلام على أن الاية الكريمة ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكور23 ..نزلت بحق الامام علي (ع) حيث كان يصلي وتصدق بخاتمه .عن ابن عباس ان الامامين الحسن والحسين ( عليهما السلام ) مرضا فعادهما رسول الله (ص) في أناس معه,فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك فنذر علي ، وفاطمة ، وفضة جارية لهما ان عافاهما الله تعالى ان يصوموا ثلاثة أيام فشفيا ، وما معهم شيء فاستقرض الامام علي (ع) ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة ( عليها السلام ) صاعاً وخبزته خمسة أقراص على عددهم ، ووضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني ( اطعمكم الله ) من موائد الجنة ، فآثروه ، وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء فاصبحوا صائمين فلما أمسوا ، ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم ، فآثروه وجاءهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك ، فلما أصبحوا أخذ الامام علي (ع) بيد الامامين الحسن ، والحسين عليهم السلام ، ودخلوا على الرسول (ص) فلما أبصرهم ، وهم يرتعشون من شدة الجوع قال : ما أشد ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم فرأى مولاتنا فاطمة الزهراء (ع) في محرابها ، وقد ا لتصق بطنها بظهرها ، وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرائيل بالسورة وقال : خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك فأقرها السورة 24.. هؤلاء هم آل البيت النبوي (ع) ، وهؤلاء هم لبنات الاسلام الاولى يعيشون مشاكل الاسرة الاسلامية الكبرى ، ويشاركون مر العيش كل ضعيف سواء كان مسكيناً ، أو يتيماً ، أو أسيراً.قال تعالى عنهم :ـويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة 25.وما أجمل قول امير المؤمنين الامام علي (ع) :ـ ولكن هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخير الاطعمة ، ولعل بالحجاز ، أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطاناً ، وحولي بطون غرثي وأكباد حرى ، أو اكون كما قال القائل :وحسبك عاراً أن تبيت ببطنة ..... وحولك أكباد تحــن إلى القدأأقنع من نفسي أن يقال لي : هذا أمير المؤمنين ، ولا أشاركهم مكاره الدهر ، أو أكون أسوة لهم في خشونة العيش 26 ..أنه ( عليه السلام ) لا يقنع من نفسه أن يقال له : بأمرة المؤمنين ولا يشارك الطبقات الفقيرة البائسة جوعها ، وبؤسها. وكيف يقنع لنفسه بهذا المنصب ، وهو بعيد عن واقع الظروف الأليمة التي تحيط بهؤلاء الناس ، وهو العديد الاكبر من المجتمع الذي يشكل القاعدة ، والصعيديه للقيادة ، أو الامرة ، لا ... انه ) عليه السلام ) يعتبر نفسه ـ وذلك هو المفروض في كل قائد ـ فرداً منهم يتحسس بما يؤلمهم ، ويفرح بما يسرهم وبالتالي يعيش أجواءهم المحيطة بهم : إن خيراً ، فخير ، وإن شراً فشر. هذه النفسية الجبارة المتطامنة ، وهذا الحس المرهف الرقيق ، وهذه الهمة العالية ، وتلك الرحمة التي ينبع منها ، ويصب فيها ذلك القلب العطوف كل ذلك ، وأمثاله من الصفات الانسانية الطموح التي كانت تنحدر من علياء نفسية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هي التي أهلته لأن يكون موضعاً للعناية الإلهية يوم نزلت في حقه.ونختم القول بالاية الكريمة :ـليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر وأتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب 27.الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 28.ـــــــــــــ
المصادر
1. محمد : آية 382. النساء : آية 80.3. الماعون اية 1/2.4. النساء اية 127.5. الفجراية 17.6. الضحى اية 9 ..7. أخرجه ابن ماجة تحت رقم 36798. البقرة اية 220 .9. الأحزاب اية 5 .10. الضحى اية 611. فاطر : آية 2912. الحديد : آية 7.13. البقرة : آية 261.14. البقرة : آية 26515. الكهف : آية 77.16. الكهف : آية 8217. النساء : آية 2.18. الإسراء :اية 34.19. النساء:اية 10،20. البقرة،الآية:18821. رواه أحمد والترمذي والدارمي22. البلد : آية ( 13 ـ 16(23. الانسان : آية ( 8 ـ 9) .24. تفسير الكشاف في تفسيره لسورة الانسان .25. الحشر : آية 9 ..26. نهج البلاغة .27. البقرة : آية 177.28. البقرة : آية 262.
https://telegram.me/buratha