علاء الموسوي
لعل ما تنطلي اليوم من مفاهيم يروج لها في الوسط العراقي بشأن الرموز والشعائر الدينية، هي حالة من مسلسل دراماتيكي حاول النظام الصدامي البائد ان يدق اسفينه في المجتمع العراقي، بدءا من حالة الرعب والقسوة والاضطهاد التي مورست بحق الشباب المتدين، او من كانت الرموز الدينية تمثل له حالة من الارث التأريخي المتجذر في المجتمع العراقي عبر الهيبة والوقار التي يتم التعامل فيها مع مراجع الدين ورموزها... وانتهاء باذناب تلك الثقافة الشوفينية المبنية على الاقصاء والتهميش لشرائح المجتمع وتنوعاته الفكرية والمذهبية.الحملة التي يشنها اصحاب هذا الفكر الاقصائي هي جزء من تلك الحملة التي مارسها نظام صدام بهدف اضعاف هيبة الثقافة الدينية في وجدان العراقيين، خوفا من هيمنة الفكر الاسلامي الرافض لكل مظاهر الاستبداد والدكتاتورية وظلم الناس وبخس حقوقهم، فهو الامتداد الطبيعي للرسالة السماوية التي جاء بها خاتم الانبياء والمرسلين محمد (ص)، ليكون رحمة للعالمين كما اخبر بذلك (جل وعلا) في كتابه الكريم... الغريب اليوم وفي ظل معالم الديمقراطية المذعنة في عقول المثقفين والمفكرين واصحاب الاقلام (غير المأجورة) ،ان ينظر الى معالم ورمز الثقافة الدينية من مراجع وشخوص وشعائر دينية بعين التسطيح الفكري في اتهام اتباع ومعتنقي هذه الثقافة الدينية!!!. في الوقت الذي نرى معالم التبجيل والوقار تنسحب الى اصحاب الفكر القومي والفكر الماركسي والرأسمالي..... وغيره من معالم ورموز الثقافة الشرقية والغربية المتنوعة بدعواها وطقوسها الخاصة بها.. الغريب اننا نحتقر معالم الثقافة التأريخة التي تأطرت بها حضاراتنا الاسلامية والعربية، لنصبح ـ كما اراد الغرب لنا ـ ان نكون مجردين من كل شيء يربطنا بالدين الاسلامي وننسلخ من هويته الذي يتصارع عليه واضعي الثقافات الغربية ليكون نهاية التأريخ على ايديهم كما صرحوا بذلك في اكثر من موطن في كتاب او مقالة او خبر...... يشير الكاتب فرانسيس فوكاياما في كتابه (نهاية التاريخ) ان نهاية صراع الحضارات (مابين الحضارة الاسلامية والحضارة الغربية) ستنتهي بانتصار الحضارة الغربية المتمثلة بالديمقراطية الامريكية ـ حصرا ـ ،ولن يكون هناك اي اثر يذكر لواقع اسلامي على الارض... وهذا الاستدلال جاء من واقع استقرأه الكاتب من خلال تلمسه للهيمنة الثقافية التي يعمل عليها الغرب في الواقع الاسلامي، لاسيما عبر الانظمة المستوعبة والمنتفعة لهذا الفكر الاقصائي، اذ تجد الحاكم يتخوف من وجود الشاب في الجامع او الحسينية لوقت متأخر من الليل، بينما نجده مطمئن حين يسمع بان شباب امته قد تلاشت مع صبايا المنتجعات الليلية من البارات والملاهي ودور الدعارة... نجد ان الامة تقوم ولاتقعد حين نسمع ان المرجع المعين او المعمم الفلاني قد ابدى رأيه بشأن القضية السياسية المعينة، والتي هي من صلب توجيهه الشرعي الذي يملي عليه العرف الاسلامي.... في حين لانبالي اذا اعترضت الشخصية العلمانية او الحزب القومي البعثي او اي مكون اخر مناهض للاسلام جملة وتفصيلا، على اي قضية تمس الواقع الوطني او الديني للمجتمع العراقي!!!!.لايمكن تصور ثقافة دينية من غير الاعتماد على اسس تأريخية ومعالم حضارية شاهدة على الواقع، والتي منها الطقوس والشعائر التي تأديها تلك الامة في احياء حضارتها وديمومة علاقتها مع تلك الجذور التأريخة المقدسة..ولكي نكون واضحين وقريبين جدا من القارئ.... هل سأل احدنا لماذا هذا النفير العام ضد رموزنا وشعائرنا الدينية؟؟؟؟، هل سأل احدنا لماذا هذا التهافت على تسقيط الارث التاريخي لمعالمنا الاسلامية الشاخصة؟؟؟؟؟، هل سأل احدنا لماذا هذا الاحتقار تجاه كل من اراد التصدي لتلك الحملة الشعواء ضد معالم الدين واركانه في التبليغ والتوعية؟؟؟؟.اعتقد ان عدونا اذكى وابلغ ليعرف ان مصدر قوة الاسلاميين هي تلك الشعيرة التي تقام في مكان كذا ... او بزمن معين... على مدار السنة، بل الاكثر من ذلك ادراكه بان السبيل الانجع للحفاظ على الهوية الاسلامية هي الشعائر الدينية وبقاء الهيبة والوقار لرموز تلك الثقافة الدينية الاصيلة في جسد المجتمع، وذلك لان الامم الاخرى عجزت وستبقى عاجزة عن تحشيد هذه الملايين من البشر في مكان وزمان واحد ولغرض واحد ايضا، كما فعله الاسلام بمعتنقيه واتباعه.ولعل مظاهر هذه القوة والترابط بين ابناء الشعب العراقي المسلم ـ بغالبيته العظمى ـ هو مصدر القلق العالمي لارباب الملحدين من اعداء الاسلام والمسلمين، لذا عملت بعض الانظمة والقوى السياسية المتصارعة في العراق، على ان تؤسس قاعدة التحريض وزرع الطائفية عبر تخويف الناس من الحشود المليونية التي تقيمها الشيعة في العراق والعالم.على سبيل المثال، بالامس قرأت في احدى الصحف اليومية التي تصدر في بغداد مانشيت عريض على الصفحة الاولى بعنوان ( حشود كبيرة من الشيعة تتوافد على بغداد لزيارة الكاظمية)!!!!!. هذه اللغة يفهمها الاعلاميون حين يراد بها تهويل اي قضية وزرع مواطن الشك والريبة عند القارىء... ماذا يحصل لو عمد المحرر او الهيئة التحريرية المسؤولة عن هذه الجريدة (لا احبذ ذكر اسمها) ان يبدل اسم الشيعة بلفظ (المسلمين) وان يحذف عنصر المكان (بغداد) لئلا تثير مشاعر الاخرين ويفهمون ان الشيعة تريد ان تحتل بغداد...... ولعل هذه اللغة هي الممهدة لعمليات التفجير الارهابية التي حصلت مؤخرا في نواحي بغداد؟؟..لا اريد ان اخرج عن صلب الموضوع بنواح اخرى، بقدر التركيز على سبب التخوف الذي يزرعه البعض في نفوس المجتمع العراقي من اقامة الشعائر الدينية والقيام على ديمومتها في اوساطنا المحلية... ما ذنب الشيعة ان لهم اثنى عشر اماما معصوما يقومون على احياء امرهم والارتباط بسيرتهم المنبثقة عن الفكر الاسلامي الاصيل؟؟؟.. ما ذنب العراقيين انهم يحترمون مقداستهم الدينية والارتباط الروحي بمراجعهم في كل بقاع بلاد الرافدين، على اختلاف مشاربهم واديانهم؟؟؟. ما ذنب الاسلاميين في حبهم وتعلقهم باماكن عبادتهم ومصدر وحدتهم وقوتهم في تبليغهم ونشر مفاهيمهم الاسلامية؟؟؟؟.هل سمعنا يوما ان قائم الشعيرة الفلانية، او محي الطقوس الدينية المعينة، انه شجع او حرض على العنف والاقتتال والتناحر؟؟؟؟؟. بل وجدنا العكس، في ان تقطع اشلاؤه ومضيفيه ممن سهر على خدمتهم وتوحيد شملهم!!!!.لم يقف بوجه مجاميع الغزاة الى العراق من عثمانيين وانكليز وامريكان..... عبر التاريخ الحديث، غير اصحاب تلك الشعائر الدينية.... ولم يقف شاخصا وصابرا ومجاهدا بوجه الارهاب وفلوله من الصداميين طيلة السنوات لماضية، الا اصحاب المبدأ الشعائري في احياء الهوية الاسلامية السليمة، لذا ليس من الغريب ان يتم استهداف محي تلك الشعائر او العمل على اضعاف هيبتها... وانما العجب العجاب اننا كعراقيين وكمسلمين تنطلي علينا تلك المفاهيم المتسلطة والمتحجرة في تشويه معالم الاسلام وشخوصه المبجلة، والتي فطرنا واجبلنا على حبها واحترامها، واعلان الطاعة لاوامرها ونواهيها، اتمنى ان ندرك ماهية المسلسل الدرامي الذي تنتجه مخابرات دول الجوار، ومن كان نظامها قائم على الطائفية والتحريض، وان يبقى الحفاظ على ديننا وحضارتنا الاسلامية والعربية همنا الشاغل في احياء شعائرها وطقوسها الخاصة بها.( فما تنكره في الماضي قد ينتظرك في المستقبل).Alaa_almosaowy@yahoo.com
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha