ابو حيدر الحلفي
بسم الله الرحمن الرحيم﴿هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ظلال مبين..﴾ صدق الله العلي العظيم الصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، محمد بن عبد الله خيرُ الأنام وآل بتيه الطيبين الكرام.والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كُنا لنهتديَّ لولا أن هدانا لله والحمد لله الذي أنعمَ علينا بنعمة الولاية للمصطفى وآله الأطهار.نرفع للساحة المقدسة لمولانا صاحب العصر والزمان ومراجعنا العظام (دامت بركاتهم) ولقيادتنا السياسية والأمة الإسلامية جمعاء آيات التهاني والتبريكات بالذكرى المباركة للبعثة النبوية الشريفة.يشرفني في هذه المناسبة المباركة الكبرى والتي نقلت الإنسانية من حالة البداوة والجاهلية إلى حالة السمو في الاخلاق والعلاقات الإنسانية وجعلت من الإنسان خليفة الله حقاً على الارض، ومن اجل أن يكون الموضوع محدد جعلته مبوب وعلى شكل نقاط أسل الله تعالى أن يوفقنا وننال واياكم أن شاء الله شفاعة محمد (ص) يوم الورود.النقطة الأولى:ـ لمَ بعث الله الأنبياء والرسل؟ إن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء بقدرٍِ وبحكمة، ومن حكمة الباري عزوجل آن يجعل الإنسان سيد المخلوقات، وهذه السيادة لن تتحقق من دون أن يخضع ذلك الإنسان لاختبار وتمحيص ومن دون حجة إلهية، ولا بد لهذا المخلوق أن يسير وفق تشريعات وتوجيهات تنظم حياته وعلاقته مع غيره من المخلوقات. وهنا لا بد آن يكون للامة من يهديها ويوجهها الى الابتعاد عن المفاسد الناشئة عن النزعة الاجتماعية، وليضيء دربها بمشاعل الوحي الإلهي. لهذا بعث الله سبحانه وتعالى رجالاً مصلحين وهداة مرشدين يعملون على الحد من الانحرافات ويضعون عجلة الأمة على الطريق الصحيح ويضمنون دورانها وحركتها في المسار المستقيم وفق القوانين الواضحة والأنظمة الحكيمة. ثم ان عدالة الباري توجب إلقاء الحجة على بني البشر بان أرسل إليهم من يهديهم ويوضح لهم الطريق الحق وينهاهم عن طريق الغواية، كي يكون الثواب لمن اهتدى والعذاب لمن ظلَ وغوى.النقطة الثانيةصفات ومؤهلات من يكون هادياً ومرشدا: ـ هناك بعض الصفات والمؤهلات في ذلك الشخص الذي يصطفيه الباري كي يكون مبعوثاً بالرسالة السماوية إلى البشر، ومميزات يمتاز بها عن غيره من البشر تؤهله أن يتحمل أعباء الرسالة.من خلال السور القرآنية المباركة نستطيع أن نقرأ هذه الصفات والمؤهلات في القصص القرآني، منها الصبر والتقوى، الصدق والأمانة، رسوخ العبودية للواحد الأحد. فما من نبي إلا وكان موحداً ولم يسجد لغير لله.وإذا ما أردنا أن ندرس شخصية النبي محمد ( ص ) قبل البعثة فقد كان منذُ صباه موحداً متبعاً لملة إبراهيم ولم يُعرف عنه الكذب، وكان يوصف بالصادق الأمين. ومن عظمة شخصية النبي محمد (ص) انه كان مخلوقاً نورانياً قبل أن يخلق الله آدم عليه السلام. فقد كان نوره في السماء ومازال آدم مجدولاً بين الماء والطين. وكان (ص) معروفاً بالأخلاق الرفيعة والصفات الحميدة التي تجعله متميزاً عن بقية البشر في البادية والجزيرة العربية. فقد أخذت العبادة للخالق مأخذها من هذا الإنسان الذي أتخذ من ذلك الجبل الذي يقع في أطراف مكة مكاناً للعبادة يفكر في ملكوت السماوات والأرض ويرى في كل مخلوق من المخلوقات عظمة وقدرة الخالق، وكان التفكر في آيات الخالق وقدرته يفتح عليه نوافذ من الغيب تحمل إلى قلبه وعقله النور الإلهي المقدس.لقد كان (ص) يتألم لما يرى في قومه فساد العقيدة، المتمثل في الخضوع للأوثان وعبادة الأصنام الخاوية، ويرى وأد البنات التي يمارسها سكان هذه المناطق الذين اعتادوا على أكل الميتته والدم ولحم الخنزير. وكان (ص) يلاحظ ممارسات سكان الجزيرة من أشكال الظلم والاضطهاد تجاه المرآة التي تتلاقفها شهواتهم وتقمعها أيديهم.النقطة الثالثةموعد الإنسانية مع الفتح الاجتماعي والأخلاقي: ـ وفي غار حَراء، كان موعد الإنسانية مع هذا الفتح الذي نقل الأمة من شفى حفرةٍٍ من النار فأنقذهم منها.ففي السابع والعشرين من رجب الأصب عام 622 ميلادية آمر الله الأمين جبرائيل (ع) أن يهبط بالوحي على أمين قريش محمد بن عبد الله (ص) ويتلو على مسامعه بضع آياتٍ كبداية لكتاب الهداية والسعادة، معلناً بذلك تتويجه بالنبوة وتنصيبه لمقام الرسالة.وان مواجهة هذا الأمر يحتاج إلى تهيؤ خاص، وشخصية مُعَدَه إعدادا ألهيا لهذه المسؤولية وليكون قادراً على تحمل ثقل النبوة وملاقاة ذلك الملك العظيم جبرائيل.أجل لقد كان أمين قريش يمتلك الروح الكبرى وتلك النفس العظيمة التي اكتسبها عن طريق العبادة والتأمل إلى جانب العناية الإلهية.لقد كانت ألذ الساعات واحبها عنده، تلك الساعات التي يخلو فيها بنفسه ويتعبد فيها بعيداً عن الناس.في هذا اليوم السابع والعشرين من شهر رجب، آتاه ملك من السماء وقال له( أقرأ).وعرض عليه ذلك اللوح الذي هو ديباجة السعادة البشرية جمعاء فقال (ص) ما آنا بقارئ.فعصره الملك عصرة شديدة أحس بعدها الرسول (ص) انه قادر على قراءة ما في ذلك اللوح.لقد قرأ (ص).﴿ أقرأ باسم رَبَك الذي خلق، خلق الإنسان من علقٍ اقرأ وَرَبُك الأكرم، الذي عَلمَ بالقلم، علمَ الإنسان ما لم يعلمْ.﴾ لقد أوضحت هذه الآيات، برنامج النبوة، وبينت وبشكلٍ واضح أن أساس الدين يقوم على القراءة والعلم والمعرفة واستخدام القلم.وهنا يجب أن نشير الى بعض الروايات التي تروى عن أهل البيت (عليهم السلام ) حول حادثة البعثة النبوية الشريفة. فعندما يُسأل الأمام الصادق (ع) من قبل زراره.(كيف لم يخف رسول الله محمد (ص) فيما يأتيه من قِبلْ الله أن يكون مما ينزغ به الشيطان؟)يقول الأمام عليه السلام ( ان الله إذا اتخذ عبداً رسولاً انزل عليه السكينة والوقار، فكان يأتيه من قبل الله عزوجل مثل الذي يراه بعينه) ويقول العلامة الطبرسي ( ان الله لا يوحي إلى رسوله الا بالبراهين النيرة والآيات البينة الدالة على أن ما يوحى إليه إنما هو من الله تعالى فلا يحتاج إلى شيء سواها ولا يفزع ولا يفرق) وهناك بعض الروايات من خارج مدرسة الأمامية، تقول أن رسول الإسلام محمد (ص) قد أوتيَّ هذا المقام العظيم في شهر رمضان المبارك. وان الآيات المباركة التي تدل على نزول القرآن في شهر رمضان المبارك تدل على أن ليلة القدر التي نزل فيها القرآن هي ليلة المبعث، وان شهر رمضان هو شهر البعثة النبوية.فليلة القدر، ليلة نزول القرآن الدفعي من اللوح المحفوظ الى البيت المعمور.وقد اتفق علماء الشيعة على القول أن رسول الله (ص) بُعثَ بالرسالة في السابع والعشرين من رجب عام 622 ميلادية وان نزول الوحي بدأ من ذلك اليوم.
ايها المؤمنون: ـ ان الرحمة الالهية التي سبغها الباري عزوجل على العباد بان بعث فيهم نبي من انفسهم يهديهم ويعلمهم القيم السامية ومكارم الأخلاق ويجعل من الإنسان سيد المخلوقات ويستعمره الأرض. كما جاء في الآية الكريمة ﴿وما بعثناك إلا رحمةً للعالمين..﴾ هذه القيم التي نقلت سكان الجزيرة العربية من حالة البداوة ومن حالة التقاتل فيما بينهم، الى حالة جعلتهم يملكون أرض القياصرة والأكاسرة وانتشرت قيم ومبادئ الإسلام في كثير من البلدان.وجعلت من المسلمين اخوة في العقيدة ﴿ إنما المؤمنون اخوة..﴾ هذه الرابطة التي تسمو في كثير من الأحيان على رابطة الدم والنسب.فكان المسلم يفتدي أخاه في العقيدة بنفسه، وعندما آخا الرسول بين المهاجرين والأنصار آراد أن يعطي للإنسانية جمعاء درساً في المحبة والاخوة في الله. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فأن الرسالة الإسلامية هي دستور المولى تعالى للأرض التي ختم بها رسالته واراد للإنسانية ان تنعم بتطبيق احكامِه وتعاليمه التي تستوعب كل مخاضات الدهر وتضمن لبني البشر السعادة في الدنيا والفوز في الاخرى فلا بد للبشر ان يسيروا وفق دستور السماء الالهي الذي انزل احكامه على رسول الإنسانية محمد (ص) فما أحرانا ايها المسلمون في هذا العصر ان نتخذ من تلك العلاقات الإسلامية وتلك الحالة الإيجابية، دروساً وعبر في اعادة النظر ببعض الممارسات التي عادت ببعض من يدعي انه ينتمي إلى أمة المصطفى الى زمن الجاهلية.يقول الباري عزوجل في محكم كتابه. ﴿ان كنتم تحبونَ الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيم ﴾ أي أنَ المحبة الحقيقية لله هي في اتباع نهج المصطفى والسير وفق شرعة الإسلام السمحاء.
يا أبناء بلدي الاعزاء:ـ يمرُ البلد في هذه الأيام بمرحلة خطيرة وحساسة حيثُ المخططات الخبيثة التي تريد الفتك بوحدة هذا الشعب وإشعال نار الفتنة بين المسلمين من اجل تحقيق المآرب العدوانية الظالمة للأعداء جميعاً أعداء الداخل والخارج وان ما يدور في البلد هو صراع بين فئة تريد أن تبني العراق على أسسِ إسلامية وقيم إنسانية، وتقاتل في سبيل الله الأعداء الذين يريدون إشاعة الفوضى واعادة البلد الى حالة الدكتاتورية والحكم الاستبدادي وتقاتل في سبيل الطاغوت، فعلينا أن نشخص الحق ونصطف مع اهل الحق ونشير الى الباطل ونقف ضد أهل الباطل.وعلينا أن نتخذ من ذكرى المبعث النبوي الشريف فرصة لوحدة الصف ووحدة الكلمة وإشاعة روح الاخوة والمودة بين المسلمين بمختلف مذاهبهم وان نؤازر كل الجهود الخيرة التي تُبذل في محافظة البصرة من أجل هذا الهدف النبيل.
ايها المؤمنون:ـهذا هو رسول الإنسانية، وهذه حقيقة البعثة النبوية الشريفة التي بدأت فيها اعظم واكبر رسالة سماوية وخاتمة الرسالات التي غيرت الإنسانية ونقلتها من الظلمات الى النور. وعلينا أن ننظر بنور الإسلام ونسير وفق ذلك المنهاج والشريعة الالهية التي تحتم علينا أن نستثمر تلك الجوهرة التي ميز بها الله الإنسان عن سائر المخلوقات.فاصبح العقل اساس ثواب وعقاب الإنسان، وهذه الحجة (العقل) تحتم علينا في هذه المرحلة من تاريخ العراق اضافة الى المسؤولية الشرعية والوطنية يحتمان علينا أن نشارك في العملية السياسية ونشارك بكل فاعلية في عملية بناء العراق الجديد والذي هو للجميع فعلى الجميع ان يتحملوا مسؤلياتهم وان نتعلم ثقافة المطالبة با لحقوق والتأكيد بحزم وشجاعة على ضرورة الالتزام بالثوابت الإسلامية المقدسة التي تحفظ الهوية الإسلامية للشعب العراقي نجدد لكم التهاني والتبريكات بهذه المناسبة المباركة ونسأل الباري أن يوفق كل الجهود البناءة لبناء الوطن والمحافظة على ثوابت الدين التي بُعث من اجلها رسول الرحمة محمد بن عبد الله (ص)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
البصرة – ابو حيدر الحلفي
https://telegram.me/buratha