محمد جبر
يقترن مفهوم القيادة في اطار الفهم الشائع بمفهوم كثر تداوله في الادبيات السياسية الا وهو مفهوم الكاريزما التي تتيح الحضور الساحر والمهيمن لشخصية القائد ، لان الكريزما تتيح تكوين قاعدة شعبية تشرعن سلطة القائد وتمد نفوذه وهيمنته على هذه القاعدة الشعبية.بيد انه من الخطأ التعامل مع مفهوم الكريزما بوصفه المفهوم الاوحد في شرعنة السلطة وممارسات القائد ، لان المفهوم هو مفهوم سايكولوجي اكثر منه مفهوم واقعي وتبعا فان طبيعته السايكولوجية تفرض نوعا من التفاوت في تقييم القيادة واحيانا تجنح هذه الطبيعة الى اختيارات خاطئة ومجانبة للصواب فالطبيعة السايكولوجية تتأثر بالميول العاطفية والشيوع الذي تفرضه الاكثرية الشعبية ، وهذا ما يفرض التصادم الشعبي مع القيادات التي تجترح ممارسات تتضاد مع طبيعة الرغبات الانسانية.ينشط في اطارهذا الفهم للقيادة تقسيمان ضروريان لشخصية القائد هما القائد الذي تتوافق ممارساته مع طبيعة الميول الشعبية والقائد الذي تتضاد ممارساته مع هذه القواعد ،ويندرج في اطار هذا المفهوم او هذا التقسيم الاخير لشخص القائد ، المعصومون (ع) ويؤكد صحة هذه الفرضية ان تاريخ حياتهم يكشف عن انتفاء القاعدة الشعبية الحاضنة لاطروحاتهم وسلوكياتهم في رسم المعالم السياسة وبالمقابل فان هنالك احتضان شعبي لسلوكيات المعسكر المناوىء للمعصومين ، وذلك مايفسر الفرضية التي ابتنت عليها هذه التقسيمات ، فسلوكيات المعصومين وممارساتهم السياسية تنطلق من اطر التعاليم الدينية والاخلاقية وفي الغالب فان ممارسات كهذه شاقة على الطبيعة البشرية في حين ان المعسكر المناوىء يعمل على محاكاة هذه الرغائب التي تتفاعل مع معطيات السلطة الدنيوية التي تتحكم بها الاشباعات العاطفية والبيولوجية والمادية .ان فهم طبيعة الذات البشرية ومحاولة محاكاتها أصبح عاملا مهما في إنجاح كثير من المشاريع السياسية حتى وان كانت نواياها سيئة ، فالراسمالية مثلا وذلك ما لاحظه مبكرا المفكر الكبير الشهيد محمد باقر الصدر استطاعت التغلب على خصومها من خلال انطلاقها من قاعدة براغماتية اشبعت حاجات الذات البشرية ولذلك فانها كانت تعمل على الاحاطة بالحاجات البيولوجية وايلاءها عناية في دائرة اهتمامها.بالتالي فان الطبيعة البراغماتية في المنظومة السياسية ضمن مبدأ المصلحة والغايات التي تبرر الوسائل اصبحت النظرية التي تقدم الحلول السحرية للسياسة المعاصرة وان كانت اسس البراغماتية تضرب بجذورها في عمق التاريخ والذي نشهد تجلياته في السياسة الاموية التي عملت على محاربة المعصومين وابعادهم عن دائرة القرار السياسي وقد استطاعت السياسة النجاح في تكوين اكبر قاعدة شعبية لمحاربة المعصومين وليست واقعة الطف الا اجلى تعبير عن ذلك .رغم ذلك فان الائمة (ع ) ظلوا محافظين على القاعدة التي تنطلق من المبادىء الاسلامية الحقة دون ان تستميلهم القاعدة السياسة التي تتساير ضمن ترهينات البراغماتية السياسية وهو ما ضمن لهم الخلود في الوجدان الشعبي الذي استطاع فهم الصلاحية الاخلاقية في ممارسة المعصومين .ان المأساة السياسية دائمة التجدد وابرز تجلياتها في واقعنا المعاصر فازاء هيمنة السياسة البراغماتية هنالك قادة يتبعون خطى الائمة في محاولة ترصين المبادىء الاسلامية والانطلاق من المحددات التي وضعها المعصمون (ع ) وفي اطار دعواهم هذه استبعدوا عن دائرة القرار السياسي او انهم ابتعدوا عن المحيط السياسي الذي ينتج وباء انهيار القيم ، فالخريطة السياسية برمتها اليوم ، يهيمن عليها الانتاج السياسي الامبريالي الذي نشط ضمنه مفهوم العولمة وسياسة الاحتواء التي اصبحت امرا مفروغا منه ، ولذلك يبدو الانعزال عن هكذا سياسات خاضعة هو نزوع احتجاجي صارم على واقع هذه السياسات وهو مبدأ اجترحه المعصمون عليهم السلام وعبرعنه موقف الغضنفر امام الموحدين الامام علي (ع ).بيد ان القاعدة الشعبية تنظر الى مسألة الاعتزال بوصفه موقفا لا اباليا وتراجعيا دون ان تحاول قراءة العمق الاحتجاجي الذين ينطوي عليه هذا الموقف ولذلك فانه أي الموقف كان يؤرق الديكتاوريات التي حاولت جاهدة اخراج القادة المبدأيين من عزلتهم لان الساسة يدركون خطر العزلة الخلاقة بوصفها احتجاجا قادرا على الاطاحة بالعروش السياسية لانه ليس الا ستراتيجية سياسية تعمل بصمت يهدد الضجيج السياسي وجوقه المزمجرة .
https://telegram.me/buratha