بقلم: كمال ناجي
يمكن تعريف الظاهرة بأنها حدث أو سلوك يتكرر و ينتشر بصفة غير طبيعية بين أفراد المجتمع . و ليس لهذا الانتشار نسبة مئوية لنفرّق من خلالها بين ما يمكن عدّه ظاهرة أو ما لا يمكن عدّه كذلك فهو أمر يتبع طبيعة الفعل أو الحدث أو السلوك و القيم الاجتماعية السائدة . فمن الممكن أن تكون نسبة 2 % تمثل ظاهرة حين يتعلق الأمر بالإدمان على المخدرات في مجتمع خال منها تماما على سبيل المثال بينما لا تمثل نسبة 20% ظاهرة لشيء لا يتعارض من القيم الاجتماعية و غيرها و يعد مألوفا و غير مستغرب كالزيجات المتبادلة بين مكونات دينية أو أثنية مختلفة اعتادت العيش بسلام و التطبع على قيم التآخي و التلاحم و التلاقح فيما بينها . بعد سقوط صدام و إبراز وسائل الإعلام العربية و الدولية لمقتدى الصدر الذي أصبح نجما شبيها بنجوم السينما تحرص تلك الوسائل على تتبع أخباره و تصريحاته و بياناته شاعت مفردة اختلقتها تلك الوسائل الإعلامية وهي ما يسمى بـ " ظاهرة مقتدى الصدر " أو الظاهرة الصدرية .. و كان المقصود أن عقلية و سلوك هذا الشاب لا يمثل حالة خاصة بشخصه بل هي تختزل و تبرز نموذجا للشاب العراقي في ظل الحرية التي يوفرها النظام الديمقراطي ، فإن مقتدى الصدر بمجرد شعوره بتراخي قبضة القانون و تراجع سلطة الدولة أقدم على تشكيل خلاياه المسلحة و راح يختلق لنفسه و لجماعاته نفوذا و سلطة في مقابل سلطة الدولة أيا كانت المبررات ، ليؤكد تلك النظرة التي رسخت لدى الكثيرين لا سيما إبان الاحتلال البريطاني من أن العراقيين عامة و الشيعة خصوصا لا يحسنون إدارة أنفسهم بأنفسهم فهم مجبولون على روح التمرد على القانون فما أن يشعروا بتراجع السلطة حتى يعيثوا في الأرض فسادا . للأسف كان الهدف لأغلب وسائل الإعلام العربية و الأجنبية هو ترسيخ هذه القناعة المغرضة التي مررت إلى المتلقي بدون وعي لحقيقة ما تهدف إليه . و ساهمت في خلق انطباع حول أن الشيعة فعلا لا يحسنون السياسة ولا إدارة شؤونهم و تبوء مراكز القرار . و كأن مقتدى الصدر و جماعاته هم الممثل الحقيقي و الوحيد للعراقيين و الشيعة منهم على وجه التحديد . بل جرت محاولة حقيقية لتأكيد هذا الأمر و عكس صورة زائفة و غير واقعية عن شعبية واسعة النطاق للتيار الصدري – و التيار تسمية هي الأخرى أطلقتها نفس وسائل الإعلام تلك و الطريف أن مقتدى اعترض عليها من واقع ادعاء عدم وجود فرق بين الصدريين و غيرهم هذا أيام كان مؤتلفا مع الأحزاب الأخرى و ليس من خلفية وعيه بحقيقة الهدف و الغاية التي سعت إليها منابر الإعلام عربية و غيرها – و هذه الشعبية تتمثل في أغلبها من الشباب و المراهقين وهؤلاء هم صورة لمقتدى الصدر أو قل أن " الزعيم الشاب " هو الصورة التي ينصهر بها هؤلاء لتكون معبرا خير تعبير عن شباب ذي نزعة طيش و استهتار واضحتين . إن هذا التيار لو قدِّر له أن يصمد و يعيش لفترة طويلة و يقوى على جذب المزيد من المؤيدين وهو مجرد افتراض يجري الواقع بخلافه تماما ، لكن لنفترض هذا السيناريو فلا شك أنه يعد من أسوأ ما يمكن أن يحدث للمكون الشيعي و هو عين ما حدث من قبل إبان الاحتلالين التركي و البريطاني حيث فقد الشيعة أي مكتسب سياسي و همّشوا لخمسة قرون و نيف و خضعوا لحكم طائفي بغيض بفعل حماقات اجترحها البعض لم تعد بشيء من المنفعة على هذا المكون المضطهد . فيما لم يقو الناس الذين كان لهم وعيهم بمجمل الحالة التاريخية و السياسية من فعل شيء و أُلجِموا بفعل حملات التشهير و التسقيط و التشنيع ضدهم ما دفعهم إلى أن يلوذوا بالصمت مجبرين على تجرع مراراته و غصصه و ما أشبه اليوم بالبارحة في بعض من مقاطعه .. إن مشكلة هؤلاء الشباب أنهم قد اشبعوا بثقافة و فكر غير سويّ و غير سليم و قد تجلت عقب سقوط النظام تأثير ثقافة حزب البعث عليهم بشكل واضح سواء وعوا و أدركوا مثل هذه الحقيقة و كابروا في رفضها أم أنهم يجهلونها عن أنفسهم من الأساس . لهذا سيبقى التيار الصدري تيارا هزيلا في لعب أي دور سياسي بنّاء لأنه يقارب السياسة من الزاوية الخطأ و يحتفظ لعقله بكومة من الأفكار التي أكل عليها الدهر وشرب ردحا طويلا . و على فرض استطاع أن يحصل على موطئ قدم في أي انتخابات قادمة فإن هذا النجاح سيكون مؤقتا للغاية بل يمثل في واقعه بداية النهاية له . لكونه ببساطة لن يقوى على تحقيق أي شعار مما يرفعه و ما يعد به أنصاره على الإطلاق . أعود لما بدأت به مقالتي حول قضية كون مقتدى الصدر يمثل ظاهرة شيعية كما لاكت ذلك كافة وسائل الإعلام ، و لنتساءل هل أن وجود جماعات من الشباب على شاكلة أتباع السيد مقتدى شيء يمثل ثقبا للمشهد كي يمكن أن يكون ظاهرة واضحة في المجتمع العراقي ؟ الحقيقة إن هذه الجماعات كانت ولا زالت موجودة سواء في العراق أو غير العراق . و النسبة الأغلب من الشباب العراقي بعيد كل البعد عن الصورة الصدرية . فالأمر إذن ليس بجديد و لكن قد تختلف العناوين فقط ، كذلك فإن النسبة ليست بتلك التي تمثل تغيرا واضحا على الحالة أو الوضع الكلي للمجتمع العراقي بغض النظر عن قيمتها و إذا كان ولابد من تسميتها ظاهرةً فهي ظاهرة بعثية بامتياز و ليست شيعية .اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha