بقلم: أبو أحمد
------------------لن يصلح حال الامة طالما كان فيها 'علماء' يبقون فيه 'سيف الله وسيف الدين' مشرعا في وجوه الناس طالما خدم ذلك ولي النعم.--نشرت وكالة القدس للأنباء- قدسنا- خبرا مفاده أن دار الإفتاء المصرية رفضت الإفتاء فيما يتعلق بموضوع بيع الغاز المصري إلى إسرائيل مستندة – الدار- إلى أن الحكم بإجازته وتحليله أو تحريمه يحتاج إلى حوار وطني بين مختلف الأطر والاتجاهات الشعبية والرسمية بالإضافة إلى رجال الدين، من أجل حسم الموضوع وتحديد ما إذا كان مشروعا أو غير مشروع وفقا لما قالت دار الإفتاء وانه يعتمد كذلك على مدى المصالح والمفاسد.
هذه الفتوى (أو على الأصح "اللافتوى") جاءت في الحقيقة بعد أن أثيرت مسألة بيع الغاز المصري إلى دولة الكيان العبري (من المعروف أو الشائع بان هذا البيع يتم باسعار اقل مما هو دارج في السوق) وكثير الأسئلة التي تم توجيهها من قبل العاملين - "الغلبانين" الذين يودوا أن يحللوا مصدر رزقهم - في الشركات التي تبيع هذا الغاز لدولة إسرائيل ومدى مشروعية عملهم ومدخولاتهم واطعام اطفالهم "الرزق الحلال".
وقد توصل السادة العلماء بشكل مبدأي إلى أن البيع حلال (أحل الله البيع وحرم الربا) وان بامكان العمال أن يستمروا في عملهم إلى أن يتم البت في هذا الموضوع، أي أن تتم مناقشته وبالتالي الوصول إلى قرار أو فتوى بشأنه.
بتقديرنا أن البت في هذا الموضوع استنادا إلى ما قاله العلماء "الإجلاء" هي طريقة جديدة في الافتاء ونحن لا نرفضها بقدر ما نتساءل فيما إذا كانت هذه هي الطريقة التي يتم اتباعها عادة عند البت في هذه الفتوى او تلك، إلا اننا نعتقد بان اللجوء إلى هذا الطريقة في البحث عن فتوى في هذه القضية بالذات أو في القضايا المماثلة لم يكن بريئا كما أراد العلماء ان يوهموننا، بل كان طريقا ملتويا ومحاولة للهروب إلى الإمام وترحيل للمسألة من اجل عدم إصدار فتوى باتة قاطعة ومحددة، لان البت فيها سوف يستغرق وقتا طويلا وقد لا يبت فيها أبدا.
إننا نعتقد بأن قضية الحوار - نفس ديمقراطي مفاجئ- التي استندوا اليها أو دعوا إليها هي في الحقيقة قضية فيها الكثير من "المطمطة والمماطلة"، وقد لا يتم انجازها على مدار سنوات طويلة، حيث أن هنالك من القضايا التي هي أكثر وضوحا ولا تحتاج الى "لف ودوران" ويتم الاختلاف عليها من قبل الأطر والقوى الوطنية والشعبية والدينية والرسمية، فما بالك بقضية مثل هذه مرتبطة باتفاقية أو معاهدة موقعة مع دولة الكيان العبري لن يسمح النظام في مصر بالمساس بها تحت أي ظرف من الظروف وهو يحافظ على الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل بشكل خاص أكثر مما يحافظ على "حبات العيون"، وكنا نتمنى لو أن هذا النظام يحافظ على علاقاته العربية كما يفعل فيما يتعلق بعلاقاته مع دولة الاغتصاب فلا يقوم بسحب سفراءه أو تخفيض حجم تمثيل مصر في بعض البلدان العربية لمجرد خبر قد يتم بثه في وسائل إعلام البلد المقصود هذا "على سبيل المثال لا الحصر".
إذن تأجيل مسالة البت في هذه القضية إلى أن يتم الوصول الى اتفاق حولها تصبح مسالة تعويم وإبقاء الحال كما هو عليه، وهذا ما يخدم النظام القائم ومن هنا فاننا دائما ما كنا نقول بان مسالة الافتاء واصدار الفتاوى – تحليلا او تحريما- كانت تخضغ دوما لهوى الكثير من العلماء والساسة او القادة وتوجهاتهم وتوجيهاتهم، ومن هنا ايضا فاننا نعتقد بان على العلماء المخلصين من ابناء هذه الامة ان يراجعوا الكثير من الفتاوى التي صدرت في الماضي سواء البعيد أو القريب من اجل التحقق من مدى دقتها وصلاحيتها لهذا الزمن "البائس" وكذلك عدم خضوعها لأي هوى ومن أنها لم تكن من اجل خدمة هذا الحاكم او ذاك.
هذه الطريقة في الافتاء جعلتنا نستذكر بعضا من الفتاوى التي طلع علينا بها بعض علماء المسلمين والتي تم من خلالها تكفير الناس بشكل فج لا يرقى إلى الحد الأدنى من التخاطب الحضاري فكيف يكون الأمر إذا كان متعلقا بفتاوى قد تكون سببا في بث الفرقة بين أبناء الأمة الإسلامية أو حتى بين أبناء البلد الواحد أو أبناء العشيرة الواحدة التي ينتمي قسم منها إلى هذه الفئة والقسم الآخر إلى تلك، كما هو عليه الحال في العراق مثلا، وهي فتاوى فيها من الخطورة ما هو اكثر وأشد من هذه المتعلقة ببيع العاز المصري الى إسرائيل، فهي فتاوى لا تتردد في إخراج ملايين من المسلمين من ملة الاسلام كتلك التي لم يتردد 22 من علماء السعودية باصدارها في حق حزب الله والاخوة الشيعة، وتشبيه الشيعة المقيمين في بعض البلدان العربية بالمستوطنين، وأنهم لا علاقة لهم بالاسلام او بالمسلمين، هذا عن توظيف تلك الفتاوى لخدمة توجهات أو سياسات حكومية بعينها ولا تمت بحسب ما نرى إلى الواقع أو جوهر الدين بصلة.
الحقيقة أننا كنا نتمنى أن يقوم هؤلاء بالافتاء في الكثير من الامور التي تخص الواقع في دولهم وفي شؤون حياة شعوب تلك الدول أو الشعوب المسلمة في بلدان العالم بعامة، لا ان يتخصصوا في الافتاء ضد المذهب الشيعي وقوى المقاومة والجهاد التي تذود عن حياض الأمة، كما أننا كنا نتمنى أن يقوم هؤلاء العلماء بالافتاء لصالح الاعمال المقاومة أو محاربة قوى الاستكبار والاستعمار والهيمنة والسيطرة على دول وشعوب وثروات العالم، أو أن يقولوا بان الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة طالما كانت هناك ارض اسلامية تحت الاحتلال، فما بالك عندما يكون الاقصى تحت الاحتلال المباشر لا بل ومعرض للهدم بفعل ما تقوم به دولة الاحتلال وغلاة المتطرفين من اليهود الذين يريدون بناء الهيكل مكانه.
كنا نتمنى كذلك أن يكون لهؤلاء "الفرسان" الشجاعة نفسها وأن يقولوا لحكام بلادهم بان هنالك الكثير مما يجب إصلاحه في بلادهم- أو ليس أعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر او بهذا المعنى- وان يحرموا بناء قواعد عسكرية وغير عسكرية لاعداء الامة في اراضيهم لكي تكون منطلقا لغزو بلدان العرب والإسلام كما حدث فيما يتعلق بالعراق عندما غزته الولايات المتحدة انطلاقا من أراضيهم وأجوائهم ومياههم، أو أن تكون لديهم الجرأة لكي يقولوا لحكام الامة بانهم هم سبب هذا الانسياق والتبعية وفقدان الاستقلال لتلك البلدان، او ان يتحدثوا عن نهب ثروات البلاد وسرقة العباد واهدار اموال الشعوب على نزوات الحكام وازلامهم وحاشيتهم، أو عن قضايا الفساد الذي يستشري في البلاد، أو بيع البترول الى القوى المعادية للامة وغير ذلك من القضايا التي تستهدف الوطن والمواطن والتي هي في صميم حياته اليومية، لا أن يتجرأ هؤلاء على المقاومة ومن يقوم بالتصدي لاعداء الامة سواء في لبنان او العراق او فلسطين او غيرها.
أخيرا نعتقد بان الأمة لن يصلح حالها طالما هنالك علماء يتخذون من الدين "مطية" يخوفون به أبناء هذه الأمة، وطالما هم يستخدمون "سيف الله وسيف الدين" ويبقوه مشرعا في وجوه الناس ويحولون بذلك دون تقدم هذه الأمة أو رفعتها وعزتها، وان هذه الأمة ستظل "ركوبة" لقوى الهيمنة والتسلط طالما تعامل معها علماؤها وقادتها على أن هذه الشعوب ليس سوى مجموعات من العبيد وان هذه الدول ليس سوى إقطاعيات.
https://telegram.me/buratha