سليم الجصاني
إعتمدت العربية في فصيحها على معيارين هما المعيار المكاني الذي ركن إلى أخذ شواهد اللغة العربية من قبائل محددة تقطن في وسط الجزيرة العربية، والمعيار الأخر هو ما يصطلح عليه بالمعيار الزماني الذي يبدأ من قبل مجيء الإسلام نزولا الى سنة 175 هجرية، وهذان المعياران قد أقرهما العقل اللغوي العربي من قبل علماء العربية الذين لحظوا النص القرآني فأرادوا للغتهم ان تعيش في ظل هذا النص بأساليبه وتراكيبه ومستوياته الصوتية والصرفية والنحوية لأنهم أدركوا ان الشأن العربي أعلاه الدفع القرآني لذا وضعوا هذين المعيارين لصد كل دخيل يروم الدخول في ما اصطلح عليه بدائرة الاحتجاج اللغوي من اجل الحفاظ على اللغة وقد أثبتت هذه الدائرة كفاءتها وقدرتها على منع إنشطار العربية إلى لغات متعددة تبدأ بنواة اللهجة كما هو الأمر في اللغات الأخرى التي تغيرت كثيرا،بل قد نتج عن كثير منها لغات متعددة وذلك لعدم اختيار ميزان دقيق يحفظها ،فاللغات التي اعتمدت لهجة منها لتمثلها في الحوار الثقافي وأسمتها بالفصحى ؛ كانت قد اعتمدت على معيار مكاني حسب كما هو الأمر في اللغة الإنكليزية التي اعتمدت على south west of london ليكون المكان الذي يرجع إليه في توخي ما يصطلح عليه بالفصحى في هذه اللغة أو ما يضارعه في لغات أخرى.ومن هنا كان لابد لنا من الإشارة إلى أهمية ما وضعه علماء العربية فهم قد قصدوا الحفاظ على لغة نشطت بفضل النص القرآني وهم في الوقت ذاته لا يريدون الابتعاد عن فهم هذا النص لما يمثله لهم من فهم في عباداتهم ومعاملاتهم على تنوعها الاجتماعي والثقافي والسياسي.وهم ان كانوا قد ابتعدوا عن السليقة في لهجاتهم ولكنهم قد حرصوا على ان يبقوا حديثهم العلمي والثقافي ودراساتهم على تنوعها باللغة العربية الفصيحة لأنها تمثل لهم الهوية الدينية والقومية والثقافية"فهذه الهويات ،بالنسبة الى أكثر الناس، هي التي تعطي،أولا وقبل كل شيء، معنى عميقا جدا"للأسماء" التي نعرف بها أنفسنا باعتبارنا أفرادا أو مجموعات.وهي تزود الحبكة لرويات حياتنا،بشكل منفرد وجماعي،وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بمعتقداتنا الأكثر عمقا حول الحياة ،والكون..."( 1)فضلا عن ان العربية تحمل فصاحة عالية عن طريق دقة التعبير وعمق الجرس الصوتي والدلالة الراقية في التأليف النحوي وعمق البنية الصرفية والدلالة المعجمية للمفردة وعند توظيف هذا كله بشكله الصحيح فاننا نجد أنفسنا أمام تألق في الصور ورقي في الدلالة وقد أكد هذا المعنى قديم المدونات ومنها ما أشار إليه ابن جني بقوله"الألفاظ أدلة على إثبات معانيها لا على سلبها"(2) .لذا أجد أن النص القرآني كان له الفضل الأكبر في حفظ هذه اللغة وإظهار جمالها وقدرتها على النهوض والتطور.----------------------------------------------------------------------------1ـ اللغة والهوية(Langauge and Identity ational,Ethnic,Religious )،تأليف جون جوزيف ترجمة :د.عبد النور خراقي،عالم المعرفة 1428 هـ ـ 2007م ص2332ـ الخصائص :أبو الفتح عثمان بن جني (ت 392هـ ) ،تحقيق : محمد علي النجار ، دار الكتب المصرية ـ القاهرة ، الطبعة الأولى 1374هـ ـ 1955م :3/100اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha