المقالات

الشعبوية بين الشعارات السياسية وبناء الدولة

236 2025-05-29

ثامر الحجامي

تُعرف الشعبوية بأنها خطاب سياسي يقوم على مخاطبة عامة الناس بالشعارات والعواطف، وغالبًا ما يتسم بمعاداة النخب وتبسيط القضايا المعقدة، وعلى مدار التاريخ أظهرت التجارب أن الأنظمة التي إرتكزت على هذا النهج، إما سقطت سريعًا أو واجهت أزمات عميقة قادت إلى إنهيارها.

ما حصل في فنزويلا مثالً حي، حين صعد هوغو تشافيز إلى الحكم بشعارات مناهضة للنخبة وترويج للعدالة الإجتماعية، مستندًا إلى خطاب شعبوي حاد، ورغم الشعبية الجارفة التي تمتع بها في البداية، لكن غياب مؤسسات الدولة وتضخم الإعتماد على الكاريزما الفردية، والإنهيار الاقتصادي الناتج عن سوء الإدارة، أدى بالبلاد إلى أزمة خانقة ما زالت قائمة حتى اليوم.

كذلك شهدت إيطاليا صعود حركات شعبوية مثل حركة " النجوم الخمس" التي وصلت الى الحكم عبر تبني خطاب شعبوي مناهض للنخبة والمؤسسات الأوربية، لكنها واجهت صعوبة بين الشعارات وتصديها لمسؤولية الحكم، مما أثر على شعبيتها وتراجعها مع مرور الوقت.

في خضم التحولات السياسية التي يشهدها العراق، تظهر الشعبوية كطريق سريع ومغري للوصول إلى الكسب السياسي, على حساب بناء مؤسسات الدولة الفتية والتأسيس لقوانين تنظم هذه المؤسسات وعلاقتها مع الجمهور، فالشعبوية أغرت الكثير من الساسة في الوصول الى السلطة، لكنهم لا يدركون أنها لا تملك ما يكفي من الرصيد الواقعي، لإقامة مؤسسات قوية أو تأسيس قواعد راسخة لنظام الحكم.

لهذا؛ فإن على القائمين على النظام السياسي أن يدركوا أن البقاء في السلطة لا يتحقق بإرضاء الجماهير مؤقتًا، بل ببناء دولة مؤسسات تقوم على القانون، وتحترم الكفاءة، وتؤسس لمشاريع تنموية حقيقية، فالمشاريع لا تُبنى بالشعارات وإنما بالإرادة السياسية والتخطيط الإستراتيجي، والقرارات الجريئة التي قد لا تكون شعبية دائمًا، لكنها ضرورية لبقاء الدولة.

السباق نحو الشعبوية لن يؤدي إلا إلى تسارع الإنهيار، أما السباق في إقامة أركان الدولة وتفعيل مؤسساتها، ومكافحة الفساد، وضمان العدالة، فهو وحده السبيل لبقاء النظام السياسي وإستقراره، وأما اللعب على رغبات الجمهور والتكسب الإنتخابي على حساب القوانين وتهميش دور مؤسسات الدولة، فهو حيلة العاجز عن إقناع الجمهور بدوره السياسي.

إن من يأتي إلى الحكم على وقع الهتافات والأهازيج، سرعان ما يجد نفسه في مواجهة نفس الشعارات التي صعد بها، عندما تتغير مصالح الجماهير أو يظهر من هو أكثر قدرة على دغدغة العواطف منه، فالجماهير التي تهتف لك اليوم قد تهتف ضدك غدًا، لذلك تسابقوا في إقامة أركان الدولة، ولا تتسابقوا في الشعارات الشعبوية، لأن في الأولى بقاءكم، وفي الثانية زوالكم.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك