إيليا السوداني
في خضمّ ما تواجهه أمتنا من مؤامرات تستهدف تفكيك هويتنا والنيل من ثوابتنا، لا يأتي الخطر فقط من الخارج، بل يتسلّل من الداخل، متنكرًا بأقنعة الثقافة والتنوير. اليوم، لم يعد العدو بحاجة إلى جيوش تغزو الأرض، بل إلى مثقفين يروّجون لشرعيته، وينشرون سمومه تحت رايات الفكر والحرية. ويأتي يوسف زيدان، الكاتب المصري، في طليعة هؤلاء، حاملاً مشروعًا تطبيعيًا مغلّفًا بالكلمات المنمّقة والمقولات التاريخية المشوّهة.
زيدان لم يكتفِ بالطعن في المقدسات الإسلامية والتشكيك في حق الفلسطينيين، بل تجاوز ذلك إلى محاولة تبييض صورة الاحتلال الإسرائيلي، والتقليل من خطورته، وإقناع الشعوب بأن العدو يمكن أن يكون "جارًا" أو "شريكًا حضاريًا". خطابه هذا لم يعد مجرد اجتهاد فكري، بل أداة واضحة في خدمة مشاريع تعمل على كيّ وعي الأمة، وسلبها بوصلة العداء المشروع تجاه الكيان الصهيوني.
الخطير أن هذا الخطاب لم يعد محصورًا في صالات النقاش المصري، بل بدأ يجد آذانًا صاغية في بعض الأوساط الرسمية في العراق. نعم، بغداد، التي طالما كانت حصنًا للمقاومة، تُستهدف اليوم من بوابة الثقافة، وتُفتح أبوابها لشخصيات مشبوهة، تحت غطاء الفعاليات الثقافية والفكرية.
دعوة يوسف زيدان إلى العراق من قبل جهات رسمية، رغم مواقفه المعروفة والمثيرة للريبة، تطرح سؤالًا كبيرًا: هل نحن أمام بداية تطبيع ناعم يتسلل إلى وعينا من بوابة المنابر الثقافية؟ هل أصبح قبول أمثال زيدان على أراضينا مجرّد حدث ثقافي، أم هو تمهيد مدروس لاختراق الذاكرة العراقية وزعزعة مواقفها الثابتة تجاه فلسطين؟ حين يُمنح المطبّعون منصة، ويُستقبلون بالصمت أو الترحيب، فهذه ليست مجرد استضافة، بل خطوة خطيرة نحو التفريط بالمبادئ.
اليوم، بغداد في مرمى نيران التطبيع، وزيدان في المقدمة. لكنه لن يكون الأخير ما لم نرفع الصوت عاليًا ونرفض هذا الزحف الثقافي المسموم. إن العراق، الذي لم تنحنِ رايته رغم الاحتلال والحصار والدم، لن يسمح بأن تُخترق هويته من بوابة الخداع الثقافي. الوعي هو سلاحنا، والموقف الصلب هو خط دفاعنا الأول، ولن نسمح لأحد كائنًا من كان أن يبيع قضايانا بحفنة كلمات.
https://telegram.me/buratha
