بقلم: عبد الباسط البغدادي
تتزايد علامات الاستفهام والتساؤلات المشروعة حول خلفيات دعوة الروائي المصري المثير للجدل يوسف زيدان إلى العراق، وسط أجواء سياسية وثقافية محتدمة تتسم بتصاعد الضغط لتطويع المزاج الشعبي العراقي نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يُدعى فيها زيدان إلى العراق؛ فقد تم استقباله سابقاً عام 2018 بدعوة من وزير الداخلية الأسبق قاسم الأعرجي، بعد أن واجه صعوبات في الدخول إثر دعوة تلقاها من معرض أربيل الدولي للكتاب، الأمر الذي استدعى إصدار سمة دخول خاصة له لبغداد. حينها، احتفت به مؤسسة المدى للثقافة والإعلام والفنون، التي يرأسها فخري كريم، أحد أبرز الوجوه اليسارية والعلمانية في المشهد الثقافي العراقي.
ومع تجدد الدعوة عام 2021، وهذه المرة عبر معرض العراق الدولي للكتاب وتحت رعاية إعلامية واسعة، تكرّس الانطباع أن استضافة زيدان لا تأتي بمعزل عن توجهات سياسية تسعى لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" عبر البوابة الثقافية، وهو ما بات يعرف بـ"التطبيع الناعم".
مواقف صادمة ومثيرة للغضب
يوسف زيدان، الذي يوصف في بلده مصر بـ"المثير للجدل"، لم يُخفِ يوماً تأييده للتطبيع مع "إسرائيل". من أبرز تصريحاته:
"إسرائيل عدو عاقل."
"لو دعيتُ لزيارة إسرائيل لذهبت."
"المسجد الأقصى الموجود في القدس ليس هو المسجد الأقصى المذكور في القرآن."
"الرافضون للتطبيع جهلة."
"القدس ليست مكاناً مقدساً."
تصريحات كهذه تثير استياء قطاعات واسعة من المثقفين العرب، وتدفع لطرح تساؤلات حول دوافع الجهات التي تصر على دعوته واحتضانه، في ظل ما يصفه مراقبون بـ"الهجمة الناعمة لفرض التطبيع".
لم يتوقف الجدل عند المواقف السياسية، بل تعداه إلى الشكوك في النزاهة الأدبية، حيث اتُّهم زيدان بسرقة بعض رواياته الشهيرة، أبرزها رواية "عزازيل" التي فازت بجائزة بوكر العربية. فقد أشار كتاب ونقاد إلى تشابه الرواية مع أعمال أجنبية سابقة، منها رواية "أعداء جدد بوجه قديم" للكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو، بحسب ما ذكره الروائي المصري رؤوف سعد والكاتب التونسي كمال العبادي.
إلى جانب التطبيع الثقافي، شهد العراق مؤخرًا موجة دعوات لفنانين أثاروا الجدل، مثل المطرب المصري محمد رمضان، المعروف بلقائه العلني مع شخصيات إسرائيلية، والذي أقيمت له حفلات في بغداد رغم منعه من الغناء في مصر. ورافق ذلك عروض فنية توصف بالماجنة، أثارت استياء المجتمع العراقي المحافظ.
في هذا السياق، يرى العديد من الادباء والناشطين العراقيين أن دعوة يوسف زيدان لا يمكن فصلها عن المشروع الأشمل لتهيئة الأرضية الشعبية والنخبوية لقبول التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأن استضافة مثقفين يروّجون لهذا التوجه ينبغي ألا تمر مرور الكرام، خصوصًا في بلد كالعراق الذي ما زال يدفع أثمانًا باهظة بسبب مواقفه الاسلامية و الوطنية الرافضة للاحتلال والهيمنة.
لقد أصبح من الضروري وطنياً اتخاذ موقف حاسم من هذه الدعوات المشبوهة، سواء عبر الضغط لإلغائها أو تحويلها إلى فرصة لإعادة التأكيد على الموقف العراقي الثابت والرافض للتطبيع، واستنهاض وعي النخب التي دائما ما تصفهم المرجعية بالنخب الواعية وتدعوهم والمجتمع للوقوف سداً منيعاً أمام محاولات ترويض الإرادة الوطنية
إن المعركة اليوم لم تعد سياسية أو عسكرية فقط، بل أصبحت ثقافية وإعلامية في المقام الأول، تسعى لتغيير الوعي الجمعي وتزييف المفاهيم الوطنية والدينية. ومن هنا، فإن رفض دعوة يوسف زيدان، أو أي شخصية تدعو للتطبيع، لا يُعدّ موقفاً شخصياً، بل واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا في وجه محاولات اختراق السيادة الفكرية لشعوبنا.
https://telegram.me/buratha
