علاء الطائي ||
المقدمة:
سوريا.. جثة على طاولة التشريح الجيوسياسي
لم تعد سوريا ساحة حرب على السلطة أو على النظام كما كانت قبل عقد، بل أصبحت ساحة لتقاسم النفوذ بين لاعبين دوليين و إقليميين. أرض ممزقة يتقاسمها الكبار، ويتلاشى فيها حضور السوريين أنفسهم.
-روسيا تحتكر الساحل
– تركيا تدير الشمال
– أمريكا تسيطر على منابع النفط في الشرق
السؤال لم يعد:
من يحكم سوريا؟
بل:
هل بقي من سوريا ما يُحكم؟
وهل نحن أمام تقسيم دائم أم مرحلة انتقالية؟
المحور الأول:
خرائط النفوذ.. بين الواقع والتقسيم الزاحف
1. الساحل السوري:
القلعة الروسية الصامتة
القواعد الروسية (حميميم وطرطوس) تُشرف على المجال الجوي والبحري بالكامل.
عقود طويلة الأمد تضمن لموسكو الهيمنة على الغاز والنفط الساحلي.
التوقع:
لا تدعم روسيا تقسيمًا رسميًا لكنها تُرسّخ حكمًا ذاتيًا فعليًا مواليًا لها في هذه المنطقة.
2. الشمال السوري:
من منطقة آمنة إلى “أناضول مصغّرة”
تركيا تُدير ثلاث مناطق عبر الجيش الوطني السوري وقوات أمن موالية
تغييرات ديموغرافية مستمرة تُعيد تشكيل المنطقة طائفيًا وعرقيًا.
السيناريو المحتمل:
تثبيت منطقة عازلة شبه دائمة تحت الوصاية التركية بحجّة الأمن القومي.
3. شرق الفرات:
الكرد في مأزق الطموح والواقع
قوات سوريا الديمقراطية تحكم مناطق واسعة دون اعتراف دولي.
الموارد النفطية بيد أمريكا، وسط محاولات مستمرة للتقارب الكردي–التركي.
المصير:
كيان كردي إداري هشّ، يعتمد بقاؤه على مرونة سياسية دائمة أمام الضغوط الدولية.
4. دمشق ومحيطها:
سلطة من دون سيادة
الكيانات الحاكمة في الداخل تعتمد بشكل مباشر على الدعم التركي والقطري والروسي.
الواقع الاقتصادي يُحوّل العاصمة إلى مدينة تابعة سياسيًا واقتصاديًا أكثر مما هي عاصمة قرار.
الخلاصة:
لم تعد دمشق قلب سوريا النابض، بل مجرد إحدى “العواصم الإدارية” ضمن شبكة النفوذ المتداخلة.
المحور الثاني:
القوى الدولية.. من يدفع نحو التقسيم ولماذا؟
1. روسيا:
التقسيم غير المُعلن
تُدير “تقسيمًا وظيفيًا” يضمن بقاء النفوذ الروسي دون تغيير في خرائط رسمية.
تحافظ على الأسد كرمز ضعيف لضمان استقرار نفوذها العسكري.
2. تركيا:
واقع ميداني يفوق الطموح السياسي
تسعى لأنقرة إلى إبعاد التهديد الكردي وضمان مناطق نفوذ خالية من خصومها.
اقتصادها المنهك قد يفرض عليها تسويات غير مرغوبة مستقبلًا.
3. أمريكا:
سوريا الضعيفة أفضل من سوريا الموحدة
واشنطن ليست في عجلة لتوحيد البلاد وتُفضّل بقاء الأمر الواقع بما يضمن:
-قطع الطريق أمام التمدد الإيراني.
-تقليص دور روسيا.
-ضبط أي تهديد جهادي عبر الشراكة مع قوات كردية.
4. إيران:
من شريك إقليمي إلى لاعب هامشي
حضورها أضعف من أي وقت مضى رغم محاولات التغلغل عبر فصائل محلية.
غياب السيطرة الجغرافية يعوق مشروعها الإقليمي الممتد من طهران إلى بيروت.
المحور الثالث:
هل من أمل في وحدة سوريا؟
1. سيناريو “الوحدة بالقوة”
يتطلب تنسيقًا روسيًا–تركيًا–عربيًا لم يحدث حتى الآن.
سيقود حتمًا إلى مواجهات دموية لا يُحتملها الداخل السوري.
2. سيناريو “التقسيم الزاحف” (الأرجح حاليًا)
كل قوة تُدير منطقتها ككيان مستقل: عملات، تعليم، خدمات، حتى الهويات الرسمية.
التعامل الدولي مع هذه الكيانات يزداد شبه رسمي يومًا بعد يوم.
3. سيناريو “الكونفدرالية الطائفية”
طرح محتمل كحل تسوية:
منطقة علوية (الساحل)
منطقة سنية (الداخل)
منطقة كردية (الشرق)
العقبة الكبرى:
رفض تركيا وإيران لأي كيان كردي مستقل.
الخاتمة:
سوريا.. دولة تموت أم كيان جديد يولد؟
اليوم، لم تعد سوريا دولة ذات سيادة، بل “ساحة جغرافية” موزعة على خرائط المصالح.
التقسيم لم يعد مجرد خطر مستقبلي بل واقع يتكرّس تدريجيًا دون إعلان رسمي.
لكن المفارقة القاسية:
أن الإجابة عن سؤال “سوريا إلى أين؟” لم تعد تُصاغ في دمشق
بل في تل أبيب، أنقرة، واشنطن الدوحة وحتى موسكو وبكين.
ويبقى السؤال:
هل للسوريين كلمة في مصير وطنهم… أم أنهم مجرد شهود على دفن اسمه؟
https://telegram.me/buratha
