محمد حسن آل ربح
ركزت الشريعة السمحاء على مجموعة من الأخلاق من شأنها أن تخرج جيلاً صالحاً يدرك التعامل مع الحياة، ويعرف أنها مزرعة ليوم لا ريب فيه، فيتحصن بها ويتمسك بأفضلها، تلك القيم والأخلاق مصدرها الوالدين اللذان هما الينبوع الأول الذي سوف يقوم بسقاية الأبناء، وعلى هذا الأساس استوجب الشرع صفاء ذلك الينبوع ليصفو بذلك من يشرب منه.
كثـير من الآباء يهتم بأبنائه من الجانب المادي - كالملبس والمأكل والمسكن - ويبالغ الاهتمام بشكل فظيع، حتى أنك وبنظرة خاطفة تجد ذلك الابن يكتسي بأحدث صرعات العصر من الموضة وفي وقت قياسي، وهذا ما نلاحظه في عصرنا الراهن، حيث يقوم الأب بواجبه اتجاه ابنه في مسألة النفقة المادية، ولكنه يغفل ويتناسى بقية الحقوق والواجبات الأهم والتي من شأنها إصلاح الإبن في دينه ودنياه، وكما ورد في الرواية عن الأمام زين العابدين ( ع ) " وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسئول عما وليته به حسن الأدب والدلالة على ربه -عز وجل-، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره من يعلم أنه مثاباً على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه"، وقول الإمام الصادق (ع): (وتجب للولد على والده ثلاث خصال: اختياره لوالدته، وتحسين اسمه، والمبالغة في تأديبه).حين نتأمل قليلاً في تلكما الروايتين نلاحظ أنهما أشارتا إلى جانب آخر من الواجبات التي لابد على الإباء القيام بها اتجاه أبناءهم، بل إن مسألة الإنفاق المادي ماهي إلا نزر قليل من حقوق الأبناء بالنسبة لما ركزت عليه هاتين الروايتين من تعاليم. إن التربية والتعليم نقطتان مهمتان بشهادة النور الذي ظهر من أفواه أهل البيت (ع)، وبدونها يكمن الخطر على الصعيدين الأسري والاجتماعي، والإسلام اهتم بهذا الأمر من النقطة الصفر، حيث أنه أرشد في اختيار الزوجة الصالحة، والمربية الواعية، التي ستحتضن هذا الوليد، ومالها من مؤثرات وراثية وأخلاقية ونفسية وغيرها، ثم أكد حق الابن في تحسين اسمه، وذلك لرسم شخصيته وكيانه، ومن ثم وجه الوالدين لتأديبه وتربيته تربية صالحة، وهذا المطلب الرئيس الذي ركز عليه الإمام الصادق (ع)، حيث أشار للمبالغة في تحسين أدبه وهذا هو الجوهر الذي نرمي إليه في عصرنا الحاضر، لكن ما نراه اليوم -وللأسف- عكس تلك التوجيهات، حيث أن الأبناء يعيشون فراغاً روحياً وتربوياً، لدرجة أنك تجد اهتمامهم متمركز حول ما يملي عليهم آباءهم من حيث الاهتمام الجيد بالغذاء والملبس النظيف فقط، وحين تسأل أحد أبنائنا الأفاضل عن أحدث موديل وصلت إليه تقنية السيارات، وأفضل مطعم يبيع البيتزا، تراه يجيبك بسرعة فائقة، وثقة عارمة، وما إن تسأله القليل عن أمر دينه، كالأصول مثلاً، تجده يتلعثم وكأنك وضعته في مأزق لن يخرج منه، وهنا لابد من وضع علامة استفهام..والسؤال لماذا ضيعنا المفاهيم الحقيقية في التربية، ولجأنا إلى مفاهيم سطحية تدور في الفلك الدنيوي ليس إلا؟.من هنا تكمن أهمية التركيز على الجانب الديني والتربوي والعلمي لأبنائنا، لأن ذلك كفيل بخلق جيلاً واعياً مثمراً صالحاً معطاءً نعلق عليه الآمال والتطلعات.وهذه الحقوق هي المهمة والواجبة على الآباء تجاه أبنائهم، وأختم مقالي بقصة وقعت بين ناظري في إحدى (البقالات) حيث دخل صبي لم يتجاوز الثانية عشر من العمر وأخذ ما يشتهي وولى هارباً دون أن يدفع أي شي، فلحقه عامل (البقالة) حتى أدرك منه مبلغ ريال رماه عليه من بعيد، ولم يظفر بغيره مقابل لا أدري كم أخذ الصبي مما اشتهاه؟؟!! ولما عاد العامل سألته هل تعرفه؟ أجابني بنعم. وهل تعرف أباه؟ فقال: نعم كذلك. فقلت: هل يعمل معك هذا الصنيع مكرراً؟ قال: كل يوم. فقلت له: ((والله ربحت البقالة!))، ثم قلت له: هلا أخبرت والده؟ فقال أبوه ((سيم سيم)) قلت: ما شاء الله (من شابه أباه ما ظلم)، كان الله في عونك، أنُصلح الولد أم الوالد؟
https://telegram.me/buratha