كمال ناجي
يعلم الجميع ما للانتخابات القادمة من أهمية في رسم المشهد السياسي العراقي خلال السنوات المقبلة .و هي و إن كانت انتخابات لتشكيل مجالس المحافظات إلا أن تأثيراتها على عموم المشهد السياسي لا نقاش فيها لما تحتله مجالس المحافظات في ظل النظام السياسي الجديد في العراق من ثقل و تأثير حتى على صانع القرار المركزي . و تبدو كل القوى معنية بترتيب أوضاعها و التهيؤ لهذه الانتخابات التي ستكون فيها عملية التنافس على أشدها . و من المعلوم أن الصدريين أعلنوا انسحابا شكليا و زجوا بشخوص موالية لهم تمام المولاة بل ومن بين عناصرهم بالذات تلك العناصر غير المكشوفة و تهدف هذه الحركة إلى أمرين الأول مخادعة الناخب العراقي الذي لا يجد في نفسه ميلا لانتخاب قوة سياسية ذات مليشيا مسلحة عاثت في الأرض فسادا و تخريبا طيلة السنوات الماضية وهو على دراية كاملة بمبلغ الخطر الذي تشكله قوة كهذه في حال احتلالها لمناصب مهمة و حساسة في إدارة الدولة ، و الأمر الثاني ضمان خط رجوع و فرصة للتبرؤ من الانتكاسة المتوقعة لعناصر لا خبرة و لا دراية لها في تسيير شؤون البلد و القدرة على التعامل المحنك مع مستجدات الأوضاع السياسية و الاقتصادية و غيرها فهي لا تحسن في أية أزمة سوى شهر البنادق و حمل الصواريخ و القذائف على الأكتاف و النزول للشوارع و تعطيل كل مظاهر الحياة وهذا ما عاناه و قاساه المواطنون خلال فترات عديدة من الزمن الذي تسرّب عبثا من بين أنامل العراقيين . و على أية حال يقوم الصدريون و شيوخهم حاليا بحملة " توعية لأغنامهم " (1) و إقناعهم على المشاركة و التصويت للأسماء التي يجري توزيعها من خلال مكاتب مقتدى الصدر على أتباعهم . و تبدو ثمة معاناة حقيقية تواجه هؤلاء مع الأتباع حيث لم يعتد أتباعهم على ممارسة من هذا النوع و يجدون عسرا في هضم قضية الانتخاب باعتبارها طريقا للحصول على حق سياسي و تحقيق مكاسب سياسية لما تعوّدوا عليه خلال الفترة السابقة من أن الحصول على المكاسب و تحقيق الأهداف الخاصة بهم لا يتم إلا عن طريق العضلات و المواجهات و التخريب و جهاد فريد من نوعه ضد السلطات الأمنية و أجهزتها و القيام بالتصفية و الاغتيالات . و في معرض حملات الإقناع لعناصر المليشيات و كوادر الحزب الصدري بضرورة خوض الانتخابات أكد المسؤولون عن هذه الحملة بأنه في حال فوزهم لن يتركوا أي شخص ينتمي إلى الأحزاب الأخرى المنافسة ولو على رصيف يقابل مؤسسة او دائرة حكومية .. ولا يبدو أن هذا الأمر مجرد كلمة تقال لأجل دفع الموالين من تيارهم إلى التصويت للمرشحين من حزبهم تحت عنوان " مستقلون " بل هو تعبير عن رغبة حقيقية تعتلج في نفوسهم بانتظار لحظة إقصاء و تهميش الآخرين و الاستئثار بكل شيء على غرار ما كان لهم في مدينة العمارة .. و هنا فالناخب العراقي أمام خيار تاريخي حاسم فهو مخير بين أمرين لا ثالث لهما فإما نبذ هؤلاء و قطع الطريق على مخططاتهم المشبوهة التي سوف تجر العراق إلى كارثة محققة بكل المقاييس أو ترك الصدريين لا أن يستردوا مدينة العمارة فقط بل يحيلوا كل المدن في الوسط و الجنوب إلى نسخ من العمارة أسوأ نموذج لسلطة الصدر و أتباعه عاشه الجنوب العراقي .
(1) : هذا الوصف هو ما استخدمه أحد شيوخ التيار الصدري في محافظة بابل ضد أتباع الخط الصدري أنفسهم وهو في معرض التعبير عن ضجره و ضيقه بعسر التجاوب معه و هضم قضية أن الانتخابات على مستوى من الأهمية حيث كما اشرنا تبدو سيكولوجية الصدري مشبعة بروحية العبث القاتل و توسل طريق العنف لتحصيل المكاسب .. فما كان من هذا الشيخ إلا أن قال : لقد أتعبني هؤلاء الأغنام ، بعضهم غير مقتنع بانتخاب الأسماء التي عرضتها عليهم و هم من ولدنا يقولون ما دام الاحتلال موجود و الحكومة موجودة فلا معنى للانتخابات .. أه . و يبدو أن مطلوب أتباع التيار الصدري هو إلغاء الحكومة و حلها و حل مؤسسات الدولة و تبخير مائة و خمسين ألف جندي أمريكي و إجلاء ملايين العراقيين ممن لا يشاطرونهم قناعتهم خارج الحدود ليتسنى بعد كل هذا إجراء انتخابات يتنافس فيها الصدريون مع أنفسهم .
https://telegram.me/buratha