المقالات

الكذب والشعر لهما حكم شرعي واحد

1540 20:54:00 2008-07-10

بقلم : سامي جواد كاظم

قد يزعل البعض لاعتباري الشعر رفيق للكذب وهذا لا ينطبق على الكل بل الاغلب الاعم ، فالكذب مذموم وقبيح بل انه احد المفطرات بالنسبة للصائم فمثلا لو كذب شخص معين بنقل خبر معين وصدّق به شخص اخر وشاءت الصدفة ان يكون هذا الخبر صحيح فان الذي كذب اصلا لو كان صائما يعتبر مفطر لكون نيته الكذب ( الفتاوي للسيد الخوئي والسبزواري ) ولكن في حالات معينة يصبح الكذب واجب وجائز ورائع كما لو اريد اصلاح ذات البين ، فالحالات التي يعد به الكذب جائز هي بعدد الحالات التي يعد به الشعر رائع .اذن ما هي العلاقة بين الكذب والشعر والنفاق ؟ النفاق هو اظهار الحق وكتم الباطل والذي يعتبر من ارذل الموبقات التي اذا اتصف بها الانسان وان حسابها الدرك الاسفل من النار لما يخلف من نتائج سلبية في المجتمع او الوسط الذي يتفشى فيه النفاق .ونظرة عابرة للكذب والشعر في عمومه نجد ان ظاهره حق وياطنه باطل وهذا النفاق بعينه .كما اسلفت الحالات التي يكون فيها الكذب جائز ساسرد بعض الحالات التي يكون فيها الشعر جائز و رائع .كل من قال شعر في حق اهل البيت عليهم السلام في زمان يطغي فيه الظلم على اهل البيت واتباع اهل البيت يعد من الشعر الصادق بدليل التبعية المترتبة على من يقول شعر بحقهم .الفرزدق الذي قال شعره بحق الامام السجاد عليه السلام عندما كان يطوف في الكعبة وشاءت الصدف ان يكون هنالك هشام بن عبد الملك فامتعض عندما راى الحجيج انقسموا سماطين لكي يوسعوا الدرب امام السجاد عليه السلام لملامسة الحجر الاسود فقال من هذا فاجابه الفرزدق بابيات شعر وقعت على راسه كالحجارة التي وقعت على سال سائل بعذاب واقع هذا الذي تعرف البطحاء وطئته والبيت يعرفه والحـلُّ والحرمُ هذا بن خير عباد اللـه كُلُّهمُ هذا التقـي النقي الطاهرُ العلمُ هذا بن فاطمةٍ انْ كنت جاهله بجـده انبيـاء اللـه قد ختموا وليس قولك منْ هـذا بضائـره العرب تعرف من انكرت والعجمُ الفرزدق واحد يقابله كم هائل من الشعراء المنافقين الذين يقولون شعرهم بحق الحكام الامويين في مدحهم كي ينالوا الجائزة ، اما الفرزدق عندما القى به الحاكم الاموي في السجن بعث اليه السجاد عليه السلام بمال وبردة فرفض الفرزدق المال وقبل البردة للتبرك بها باعتبارها لامست جسد الامام السجاد عليه السلام . والامر ينطبق على دعبل الخزاعي والكميت وغيرهم ممن جاهدوا بشعرهم في زمن الظلم والطغيان .اما شعر الحكمة والعلم فهذا هو الاخر صادق كما في الفية ابن مالك الذي اغنى الساحة النحوية بقواعد معرفية سهلة مع جمع كل القواعد اللغوية في شعره بالرغم من اختلاف القافية من بيت الى اخر واكد ابن عقيل الشارح للالفية ان الذي يشذ فقط عن اللغة العربية هم الشعراء واستشهد باكثر من مئة حالة شاذة في كتابه ابن عقيل .حسان بن ثابت شاعر علَم والكل يعرفه هو الذي انشد قصيدة الغدير

يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخمّ فأسمع بالرسول مناديا

وقال عنه الرسول الكريم (ص) لا زال حسان منا اهل البيت ، هنا لا زال أي ان ولائه هذا زائل وفعلا كانت عاقبته عثمانية ولم يقر لعلي بالغدير اذن ظاهر قصيدته الغديرية حق وباطنه باطل بدليل سوء عاقبته ، انا لا اقيم عمله الشعري فلست ضليعا به ولكن اقيم خلقه ويكفيه من سوء خلق ترك ولاية علي عليه السلام .كثير من شعراء العصر الحديث اليوم اغلب شعرهم نفاق عندما يتناولون مدح الحكام مثلا عبد الرزاق عبد الواحد فله قصائد حكومية وفي نفس الوقت له قصائد تغنى بها بالامام علي عليه السلام وابنه الحسين عليه السلام كان ينشدها في احد البيوتات في الكاظمية بمناسبة ذكرى ولادة الحسين عليه السلام فشعره هذا الذي يقوله في المخفي هو الصادق بدليل ما عرض نفسه له من الخطر ، قد يقال ان الخوف من بطش الظالم جعله يقول شعرا فيهم اقول هنالك شاعر زميل لعبد الرزاق طلب منه ان يقول شعرا يمجد الطاغية فرفض كل الرفض وله ابيات شعر في حق الحسين عليه السلام يطرب لها نفسه عبد الواحد فشتان بين هذا وذاك .هنالك شعر بثمن ولا يحمل في قلب قائله حقدا او حبا لمن يمتدحه وهذه العملية يمارسها اليوم اكثر الشعراء الذين يتغنون بحب ال البيت وخصوصا الحسين عليه السلام لان مدحهم يضاعة رائجة تدر عليهم بالمال الوفير لما يستقطب من قلوب محبيهم وخصوصا بعد ما رفعت الغمة الصدامية عن الشعب العراقي .فكم من شاعر اعرفه معرفة شخصية لا يحمل بين جنبات خلقه ولا شعرة خلق من اخلاق اهل البيت عليهم السلام الذين يمتدحهم .

الشعر يعتمد قوة الخيال وجاء البلاغيون فصنفوا له باب سمي بالتشبيه ( المشبه والمشبه به واداة التشبيه و وجه الشبه ) فالذي يكون تشبيهه بليغا حسب مفردات التشبيه هذه يكون شعره رائعا ، وجاء كذلك الفراهيدي وصنف الشعر تصنيفات ماعرفوها شعراء الجاهلية الفطاحل ( البحر الوفير والبسيط والطويل .. الخ ) وجعلوه فن وهو حقيقة فن موجود لا يمكن لنا الغائها ولكن كما يقول المثل شر لا بد منه .هنالك ابيات شعر يكتب عليها شعر منسوب الى الامام علي عليه السلام وعملوا له ديوان وصنفوا له بحور ولكن الامر الملفت للنظر ان هذا الشعر لا يوجد في كتاب نهج البلاغة الذي يعد المصدر الاول والاخير في جمع كل كلمات الامام علي عليه السلام من خطب واحاديث وكلام بليغ ورسائل ، باستثناء قصيدة صغيرة كتبها الامام علي (ع) يرد فيها على معاوية الذي يحاول ان يتجاهل مكانة امير المؤمنين (ع) .اما شعراء الطواغيت فالتاريخ يعج بهكذا شعراء والذين لا يمكن عدهم وطفح بسببهم النفاق في مجتمعات الطواغيت ، وعلى غرارهم الشعراء الذين يجعلون شعرهم بضاعة لغرض كسب العيش وتسلق سلم الشهرة والمجد من خلال رموز المجتمعات التي تقدسها وهذا ايضا النفاق بعينه .واما في الذكر الحكيم فقد ورد ذكر الشعر وما له من سيئات المعروف عنه اجمالا بدليل ان كل الغناء شعر وليس كل الشعر غناء فقد قال الله عز وجل ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ [يس : 69] ) وفي تفسير هذه الاية وردت رواية عن رسول الله (ص) مفادها ( روي عن الحسن أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتمثّل بهذا البيت : كفى الإسلام والشيب للمرء ناهياً . فقيل له : يا رسول الله إنّما قال الشاعر : كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً . وعن عائشة قالت : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتمثّل ببيت أخي بن قيس :ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا *** ويأتيك بالأخبار ما لم تزوّدفيقول : ويأتيك ما لم تزوّد بالأخبار ، فيقال له : ليس هكذا ، فيقول : إنّي لست بشاعر زاما في تفسير علي بن ابراهيم المحدث والراوي الثقو فقد جاء في تفسير الاية (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء : 224] ) نزلت الآية في الذين غيّروا دين الله وخالفوا أمرَ الله ، هل رأيتم شاعراً قط تبعه أحد ، إنّما عنى بذلك الذين وصفوا ديناً بآرائهم فتبعهم على ذلك الناس . ويؤكّد ذلك قوله : ( ألم ترَ أ نّهم في كلّ واد يهيمون ) يعني يناظرون بالأباطيل ويجادلون بالحجج وفي كلّ مذهب يذهبون .وعندما اراد المشركون شتم رسول الله (ص) قالوا عنه انه شاعر مجنون (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ [الصافات : 36] ) نعم في مجالات الحكمة والمعرفة يلعب الشعر دورا مهما وحتى قال عنه الامام علي (ع) ان في الشعر لحكمة ، اما المدح الصحيح لال البيت عليهم السلام هو في زمن الطواغيت فقط لان الشعر يكون نابع من شعور صادق اتجاه الممدوح وبيان ذلك لان تبعية المادح في زمن الطواغيت حكمه القتل .في بعض الاحيان يدندن المرء مع نفسه فيقول بعض الابيات اذا ما هزه موقف معين ويحتفظ به كذكريات ولا غاية له سوى تفريغ مشاعره في هذه الكلمات وليس الرياء والنفاق او المتاجرة غايته كما هو حال اغلب شعراء اليوم ، فالشعر هو من المشاعر الصادقة بالاتجاه الصحيح والمشاعر دائما تكون من غير ثمن سواء كان ماديا او معنويا .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك