المقالات

إشكاليات تناقض الدولة الدينية و الدولة المدنية

1465 02:03:00 2008-07-09

بقلم: سهيل أحمد بهجت

تمثل إشكاليات الإسلام السياسي و بناء المواطن و الدولة الحديثة أحد أهم الأزمات العقلية الاجتماعية السياسية في العراق و دول الشرق الأوسط، و مشكلة الإسلامي "الديني" أنه غير منفك عن السياسة و السياسة غير منفكة عن الدولة بصفتها كائنا مهيمنا على كل تفاصيل الحياة و المجتمع، من هنا كان من الضروري إيجاد تفكيك و تحليل منطقي لهذه الإشكاليات، و من الضروري أن نقوم بهذا العمل المنطقي لأنه بدون ذلك سوف يعود العراق ـ و ليكن النموذج العراقي مثالا للمنظومة الإسلامية ـ إلى حالة القلق و التفكك و الصراع لأن الدولة عبر هيمنة الدين تفقد حيادها تجاه المواطن.الإسلام السياسي بشقيه الشيعي و السني ينطلق في نظريته من المثال التاريخي في استعادة صورة أو مفهوم الدولة التأسيسية في عهد النبي و الخلفاء، و معلوم شيعيا أن الإمام الوحيد الذي تصدى للحكم السياسي هو علي بن أبي طالب و هو الإمام الأول، و هذه الاستعادة التاريخية قد تبدو في ظاهرها مقنعة بأن الإسلام كدين هو دين حكم، لكن هذا الاعتقاد أو المفهوم مخطئ بسبب أن حكومة النبي لا يوجد مثيل لها لا سنيا و لا شيعيا كونها حكومة وحي معصوم، لكن الاعتراض المنطقي يرفض هذه الفكرة ـ فكرة كون النبي كان حاكما ـ لأنه ببساطة لم يمتلك زمام السلطة حسب المفهوم السياسي الواقعي، كمثال لم تكن هناك شرطة أو برلمان كما أن النبي كان يختلط بالناس بدون حراسة كواحد منهم و هو ما لا يستطيعه إلا رئيس في دولة كسويسرا، كما أن الحكومات التي تلت النبي كانت ذات طابع تجريبي و كل خليفة جاء بطريقة مختلفة عن الآخر، كما أن عليا رابع الخلفاء ـ سنيا ـ أول الأئمة ـ شيعيا ـ كان يحتقر السلطة و يعتبرها كأنها مكروهة مع كونه يمتلك تلك الخلفية في بيت النبي و تعامله مع السياسة كان تعاملا مع شيء مكروه و قد فعل ذلك و هو "معصوم ـ شيعيا ـ راشد ـ سنيا" فكيف برجال الدين أو الإسلاميين الذين يبررون الدولة الدينية و هم أبعد الناس عن العصمة أو الراشدية!!..هذا النموذج التاريخي الماضوي لا يعطينا صورة واضحة الملامح و الحدود حول طبيعة النظام الإسلامي المزعوم، و هذه الصورة المشوشة بذاتها تكفي دافعا لإقرار الدولة العلمانية المحايدة كون رجال الدين في المؤسستين الشيعية و السنية يستغلان عدم الفصل بين الديني و الدنيوي لإضفاء الشرعية على الحاكم، و لأن الدين يقوم على الفتوى المتغيرة و الدولة على الدستور و القانون الدائم بالتالي فهما نقيضان.الدولة كما هو معلوم تاريخيا هي كائن سلطوي إذا اختلط مفهومها بالدين أو القومية، بمعنى أنها حينما تسعى إلى إضفاء الشرعية على نفسها عبر آلية غير الانتخاب كأن تلجأ إلى التبرير الديني أو طبقة المناضلين كما في الدولة فهي تتحول من كونها تجسدا للعقد الاجتماعي الذي يفرض على الحكومة + السلطة أن تستمد شرعيتها من المتعاقدين، بدون ذلك لا نجد فرقا بين الدولة الدينية بمفهومها الشيعي و السني لأن كلاهما ستجعل من الدين أداة "تبرير" لبقائها.الدين و القومية إذا دخلا في تبرير الحكم و إضفاء الشرعية على الحكم فإن الدولة تتحول بشكل أوتوماتيكي إلى أداة قمع، و تجارب الدول الأموية، العباسية، العثمانية و سائر النظام العقدي العربي الإسلامي يظهر مدى العلاقة السيئة بين الحكم و السلطة المدعومة برجال الدين و الرعايا الذين لا يستطيعون الاعتراض على من يمتلك الشرعية للإمساك بزمام السلطة، فالفرد في هذه المجتمعات مسحوق كونه تابعا إما للأولياء ـ من هم في الحكم ـ أو "الزنادقة و المبتدعة" ـ المعارضون للحكم ـ و من هنا نجد التبرير الفلسفي للدولة في العالم الإسلامي يعود إلى العصور الوسطى حينما كان ابن خلدون يبني الدولة على أساس "القهر" و "الإجبار" بمعنى أن السلطة لا يهمها رضا المحكومين أو سخطهم بقدر ما يهمها الطاعة.يبدو لي أيضا أن الأحزاب و التنظيمات الإسلامية لا ترسم لنا إلا صورة مشوهة للدولة خصوصا و أنهم لا يدركون أنهم مهما حاولوا في خلق صِـيَـغ "مدنية" للدولة فإنهم يقضون على كل طابع مدني فيها بمجرد وصفهم لهذه الدولة بأنها "إسلامية" بمعنى آخر فإن الدولة تفقد صيغتها العصرية بمجرد أن تدخل في التصنيف الديني = القومي كونها تصبح كائنا غير حيادي تجاه الفرد أو المجموع فيصبح لزاما على الفرد أن يتبع "نمطا" مُعينا من العيش يتلاءم مع "عقيدة" و "دين" الدولة و النتيجة أن المواطنين يخسرون أهم شيء يملكونه ألا و هو "حريتهم".و الآن و حينما نجد أحزابا أو تنظيمات معينة تحاول إيجاد تبريرات لاستخدام "الرموز الدينية" في الانتخابات، فهم يفعلون ذلك مدركين إلى افتقارهم للبرنامج السياسي ـ مع ملاحظة أن هناك أحزابا "علمانية قومية"!! تستغل المساجد لإقناع الجمهور الأمي بانتخاب المناضل البطل ـ و إذا كان هؤلاء يُشكلون على الأحزاب العلمانية استخدامها للفنانين و الراقصات و المطربين لجذب الناخبين فإن اعتراضهم هذا يصطدم بحقيقة أن الفنون و الموسيقى و جمال المرأة مثلا لا يتسبب بحروب طائفية أو عرقية كما يحصل مع استغلال الديني للسياسي الذي يُشعر المختلف مذهبيا = دينيا بأن ذاته و وجوده مهددان بفعل الآخر المهيمن على الحكم.مصيبة الإسلام السياسي هو أنهم يقيسون الدولة على الذات الإلهية فتكون السلطة (عزيزة ـ مهيمنة ـ متغلبة ـ قاهرة ـ متكبرة) و النتيجة أن هذه الدولة تخرج عن واجبها الطبيعي في أن تحكم برضا المحكومين، و كما قال أحد الإسلاميين فإن الدولة الديمقراطية ـ حكم الشعب ـ تناقض حكم الدولة الإسلامية ـ حكم الله ـ و النتيجة المنطقية لهذا الكلام هو أن الشعب نقيض = ضد لله، فيا ترى هل أن الله يكره خلقه إلى هذا الحد فيسلبهم حريتهم؟! الجواب نتركه للقارئ..Website: www.sohel-writer.i8.comEmail: sohel_writer72@yahoo.com

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك