أ. د. جاسم يونس الحريري ||
بروفيسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية
من المعروف أن ((اسرائيل)) أستخدمت في جميع حروبها ضد لبنان وقطاع غزة المتكررة منذ 42 عاما ولحد الان أنواعا من الأسلحة التي توصف بأنها “محرمة دوليا” لكونها تُحدث أضرارا بالغة بين المدنيين، والتي بات من غير المقبول دوليًا استخدامها في الحروب الحديثة، مهما كانت شدة الحرب وضراوتها.
لكن أجرام ((إسرائيل)) ورغبتها في الابادة الجماعية للشعب العربي الفلسطيني واللبناني كان السمة الرئيسية لذلك الكيان المجرم الذي تلطخت يداه بدماء المدنيين وكبار السن والنساء والاطفال ، فعلى سبيل المثال؛ عام 1982، بحسب ((منظمة العفو الدولية)) ومركزها لندن/المملكة المتحدة ، أثناء حصار الجيش الإسرائيلي لبيروت.
فقد أسقطت القوات الجوية الإسرائيلية ((قنبلة فراغية)) على مبنى سكني اعتقدوا أنه كان يختبئ فيه ((ياسر عرفات)).
وقيل إن نحو 200 شخص لقوا حتفهم في ذلك الهجوم. وفي حملتها ضد حزب الله عام 2006، أنتشرت معلومة خلاصتها أن ((إسرائيل)) استخدمت قنابل فراغية في لبنان، وانتقدت نفس المنظمة الدولية أعلاه استخدام ((القنابل الحرارية))، مشيرة إلى أن “القدرات التدميرية الكبيرة لهذه الأسلحة تثير مخاوف من أنها تؤدي غالبا إلى القتل العشوائي”.
وفي الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009، أثناء العملية العسكرية في قطاع غزة، التي أسمتها إسرائيل آنذاك “الرصاص المصبوب”، رُصدت ميدانيا العديد من الإصابات غير المعتادة، مثل ((الجثث المتفحمة حرقا))!!! على نحو يشير إلى إصابتها بأسلحة غير تقليدية، و((أطراف مقطوعة))!!! تاركة جروحا تشبه الحروق، يَعرف الأطباء والمتخصصون أنها ليست ناتجة عن إصابات عادية.
على إثر ذلك، اتهمت مؤسسات دولية جيش الاحتلال الإسرائيلي باستخدام أسلحة محرمة دولياً ضد المدنيين في القطاع. وبشكل خاص، عادة ما يتم التركيز على ((القنابل الفسفورية)) كأداة تستخدمها القوات الإسرائيلية بكثافة في معاركها الأخيرة، وهي أسلحة حارقة تحتوي على ((الفسفور الأبيض)) كحمولة أساسية، جرى تصميمها لتوليد حرارة شديدة تبلغ قرابة 1000 درجة مئوية، إلى جانب قوتها التدميرية.
ويسبب الفسفور الأبيض حروقاً مؤلمة جداً قد تكون من الدرجة الثانية إلى الدرجة الثالثة، خاصة أنه يذوب بسهولة في الدهون السطحية، وقد يُمتص مباشرة عبر الجلد، ومن ثم ينتشر في باقي الجسد، حيث يُلحق أضرارا خطيرة بالكلى والكبد والقلب، يمكن أن تؤدي إلى الوفاة. مما سبق، يمكنك أن تفهم لماذا هو محرم دوليًا، فهو أداة عمياء، والآثار الناتجة عن هذه القنابل لن تفرق بين عسكريين ومدنيين، ولا نساء أو أطفال أو رجال، وهذا بالفعل ما يحصل في حالة غزة. وفي يونيو/حزيران 2024،
حيث قالت ((منظمة هيومن رايتس ووتش)) ومقرها نيويورك/الولايات المتحدة الامريكية إن القوات الإسرائيلية استخدمت ذخائر ((الفسفور الأبيض)) في 17 بلدة على الأقل في جنوب لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما فيها 5 بلدات استخدمت فيها ذخائر تنفجر في الهواء بشكل غير قانوني فوق مناطق سكنية مأهولة. كان هذا بعدما استخدم الجيش الإسرائيلي ((الفسفور الأبيض)) ضد الفلسطينيين في غزة أيضا،
فبحسب منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكد مختبر الأدلة أن الوحدات العسكرية الإسرائيلية المشاركة في الحرب على القطاع كانت مجهزة بقذائف مدفعية تحتوي على الفسفور الأبيض.
وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2023، رصد ((المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان)) ومقره جنيف/سويسرا أن جيش الاحتلال شنّ أكثر من 1000 قصف مدفعي على مناطق مكتظة بالسكان، وبشكل عشوائي. كما كشفت الشهادات التي تلقاها فريق المرصد، أنه في غضون 40 دقيقة فقط، تلقت ساحة سكنية مكتظة في بلدة ((بيت لاهيا)) شمالي غزة؛ أكثر من 300 قصف بالفسفور الأبيض في 15 نوفمبر/تشرين الثاني2023.
وفي أبريل/نيسان 2024 أستخدم العدو الصهيوني مستوى جديدا مروعا من القتل في قطاع غزة.. الذي يسبب ضحايا يبدو أن أجسادهم ((تبخرت أو ذابت))!!!
نتيجة قصف إسرائيلي للمنازل السكنية. هذه الملاحظات دفعت المرصد للقول بأنه “يجب إطلاق تحقيق دولي في استخدام إسرائيل المحتمل للأسلحة المحظورة دوليًا، بما فيها القنابل الفراغية”.
فما هي القنبلة الفراغية؟ هي نوع من المتفجرات يُحدث انفجارًا عالي الحرارة والضغط، ويولد قوة اندفاعية عالية تصل إلى مساحة كبيرة. وعلى عكس المتفجرات التقليدية التي تعتمد على تفاعل كيميائي لإحداث الانفجار، تعمل الأسلحة الحرارية عبر إطلاق سحابة من جزيئات الوقود ثم إشعالها.
وينتج عن هذا موجةُ انفجار شديدة وكمية كبيرة من الحرارة، يمكن أن يكون لها آثار مدمرة في الأماكن الضيقة.تبدأ هذه القنابل بتفجير أولي يوزع سحابة من الوقود (عادةً في صورة قطرات سائلة أو مسحوق ناعم) على مساحة كبيرة، وتختلط بالأكسجين في الهواء قبل التفجير، ثم تحترق هذه السحابة بسرعة، مما يخلق ضغطًا هائلاً وحرارة بالغة الشدة يمكن أن تصل إلى 3000 درجة مئوية!!!.
ووفقًا للكاتب((توماس نيوديك))الذي يعمل في الموقع الامريكي المعروف The War Zone ، فإن صورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي للقوات الجوية الإسرائيلية تُبيّن ذخيرة محمولة على إحدى طائرات ((الأباتشي)) تحتوي على ((شرائط حمراء))، بما يشير -بحسب شفرة الذخائر الأميركية- أنها كانت نسخة فراغية من صواريخ “هيلفاير”،
ولاحقا أزال جيش الاحتلال الصورة بعد تصاعد الجدل حول احتمالية استخدام تلك القنابل في غزة.ويحتوي صاروخ هيلفاير من نوع “أي.جي.أم-114 أن” على ((رأس حربي حراري))، مصمم خصيصًا لزيادة القوة القاتلة في الأماكن الضيقة، مثل المخابئ والكهوف والبيئات الحضرية.
وعلى عكس الرؤوس الحربية التقليدية التي تعتمد فقط على الانفجار والتفتت، فإن صاروخ هيلفاير الحراري يخلق موجة ضغط شديدة ودرجات حرارة عالية لزيادة الضرر إلى أقصى حد داخل منطقة مغلقة. ويَستخدم هذا الصاروخ شحنة معدنية متفجرة معززة،
تشتت مزيج الوقود والهواء ثم تشعله. وينتج عن هذا انفجار ثانوي أكبر يعزز بشكل كبير من الضغط والتأثيرات الحرارية. ومن جانب أخروجدت عدة تقارير تشير الى أن ((إسرائيل)) استخدمت أيضا ما يسمى “المتفجرات المعدنية الخاملة الكثيفة” في غزة، سواء بإسقاطها جوا عبر ((الطائرات المسيرة)) أو تركيبها كرأس حربي للصواريخ. والمتفجرات المعدنية الخاملة الكثيفة تُحدث انفجارا نصفُ قطره محدود نسبيًا، لكنه فعال وقاتل للغاية.
وتُصنع تلك المتفجرات عن طريق ضبط خليط متجانس من مادة متفجرة مع جزيئات صغيرة من مادة خاملة كيميائيا مثل “تنغستن” (Tungsten)، الذي يضاف إلى المواد المتفجرة لتصنع شظايا دقيقة لا يمكن أن تنتشر إلا لبضعة أمتار، لذلك أُطلق على بعض أنواع هذه القنابل اسم “الذخيرة المميتة المركزة” (FLM).
وتتسبب هذه النوعية من القنابل في تمزيق الأنسجة البشرية بشكل مختلف تمامًا عن الشظايا المعروفة بشكل عادة ما يؤدي إلى بتر الأطراف السفلية، وكان عدد من العلماء الإيطاليين المنتسبين إلى لجنة مراقبة أبحاث الأسلحة الجديدة قد أعلنوا أن جروح هذه النوعية من القنابل غير قابلة للعلاج، لأن مسحوق “تنغستن” لا يمكن إزالته جراحيًا!!!.
https://telegram.me/buratha