محمد جواد الدمستاني
الفقر مشكلة اجتماعية خطيرة تنعكس آثارها على المجتمع بقوة، وتسلب استقراره و أمنه، و تزيد من مشاكله،
فلا بد من حلها و جزء رئيسي من هذا الحل هو بقيام الأغنياء بواجبهم بإعطاء الفقراء.
قال أمير المؤمنين عليه السلام في حكمة: «إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ، وَ اللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ»، نهج البلاغة،حكمة 328، و هي دعوة من أمير المؤمنين إلى الأغنياء بالقيام بمسؤولياتهم بالإنفاق على الفقراء و مساعدتهم، و أنّ اللّه فرض عليهم إعانتهم و سدّ حاجاتهم.
إنّ «اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ» و أوجب حقوقا مالية شرعية في أموال الأغنياء من زكاة، و صدقات، خمس ،حقوق، و غيرها لتعطى إلى الفقراء، قال الله تعالى: «وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» سورة الذاريات:19، و «وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ » سورة المعارج:24، فالفقراء شركاء الأغنياء في أموالهم.
«فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ»، فجوع الفقير إنّما يكون بسبب ما منعه الغنىّ عنه و تمتع به، لأنّ الغنىّ إذا امتنع من إعطاء الفقير حقه، و تصرّف في هذا الحق لنفسه، فإنّ هذا التصرف و الانتفاع إنّما هو من مال الفقير.
«وَ اللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ»، يسأل الله الأغنياء عن منعهم حقّ الفقراء، و احتكاره لأنفسهم، و هو تحذير للأعنياء في حال تقصيرهم و التخلف من القيام بواجباتهم، ومنعهم الحقوق عن الفقراء من سؤال الله سبحانه و تعالى.
و الحكمة بها تأكيد على أنّ من أهم أسباب الفقر هو استئثار الأغنياء بالمال و منعهم من إعطائه الفقراء، و لو أنّ الأغنياء جميعًا أدّوا ما فرض عليهم من الإنفاق لما بقي فقير، و لضاقت الفجوة بين الطبقات.
فأحد أوجه الظلم الاجتماعي استئثار و استبداد الأغنياء للموارد المالية و منعهم حقوق الطبقات الفقيرة، بمنع الحقوق المالية الواجبة في أموالهم للفقراء و كذا في احتكاراتهم المالية و الاقتصادية في السوق.
و كذا من أسباب الفقر فقدان العدالة و عدم التكافل الاجتماعي، و التمييز و عدم المساواة بين النّاس في الفرص و الوظائف، و نهب أصحاب النفوذ لثروات البلدان، و كذا ما تخلفه الحروب و الكوارث من الخلل و الضعف الاقتصادي.
و كذا من الظلم الذي يؤدي إلى الفقر في البلدان ما تقوم به الدول الغنية من تلاعب و ظلم و ابتزاز للدول الفقيرة، سواء في استغلال مواردها أو التحكم في أسعارها، و كذا إلهائها بالحروب و الأزمات، و بتجارة السلاح، و إعادة تصدير المواد الخام بعد تصنيعها بقيمة أضعافها، و التحكم بالمؤسسات و المنظمات الاقتصادية و المالية.
و يُنسب إلى الإمام عليه السلام في بعض المصادر كما في دراسات في نهج البلاغة (الشيخ شمس الدين)، روائع نهج البلاغة (جورج جرداق)، قوله «ما رأيتُ نعمةً موفورةً إلاّ و إلى جانِبِها حقٌّ مضيَّع»، و المعنى قريب لحكمة «ما جاع فقير إلا بما متع به غنيّ» و لكن لم نجد لها مصدرا في كتب الحديث.
و لقد سعى الإمام عليه السلام في تضييق الفجوة بين النّاس و ساوى في العطاء و حارب الطبقية و استئثار الأغنياء و في الحكم المنسوبة له عليه السلام التي ذكرها ابن أبي الحديد في الجزء الأخير من شرحه، قوله عليه السلام «الخطأ في إعطاء من لا يبتغى، و منع من يبتغى، واحد». ج ٢٠ - الصفحة ٢٦٠
و في الكافي خَطَب أمير المؤمنين عليه السلام، و قال: «..، وَ قَدْ حَضَرَ شَيْءٌ وَ نَحْنُ مُسَوُّونَ فِيهِ بَيْنَ اَلْأَسْوَدِ وَ اَلْأَحْمَرِ، فَقَالَ مَرْوَانُ لِطَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ مَا أَرَادَ بِهَذَا غَيْرَكُمَا، قَالَ فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ، وَ أَعْطَى رَجُلاً مِنَ اَلْأَنْصَارِ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ، وَ جَاءَ بَعْدُ غُلاَمٌ أَسْوَدُ فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ اَلْأَنْصَارِيُّ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ هَذَا غُلاَمٌ أَعْتَقْتُهُ بِالْأَمْسِ تَجْعَلُنِي وَ إِيَّاهُ سَوَاءً! فَقَالَ إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ اَللَّهِ فَلَمْ أَجِدْ لِوُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وُلْدِ إِسْحَاقَ فَضْلاً». الکافي،ج8ص69
و رُوي «أَنَّ اِمْرَأَتَيْنِ أَتَتَا عَلِيّاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عِنْدَ اَلْقِسْمَةِ إِحْدَاهُمَا مِنَ اَلْعَرَبِ، وَ اَلْأُخْرَى مِنَ اَلْمَوَالِي، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ دِرْهَماً وَ كُرّاً مِنَ اَلطَّعَامِ، فَقَالَتِ اَلْعَرَبِيَّةُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ إِنِّي اِمْرَأَةٌ مِنَ اَلْعَرَبِ، وَ هَذِهِ اِمْرَأَةٌ مِنَ اَلْعَجَمِ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ اَللَّهِ لاَ أَجِدُ لِبَنِي إِسْمَاعِيلَ فِي هَذَا اَلْفَيْءِ فَضْلاً عَلَى بَنِي إِسْحَاقَ». وسائل الشیعة،ج15ص107
و الحقوق المالية الإسلامية للفقراء كثيرة و متعددة الموارد و المناسبات فإذا ما صُرفت على الفقراء و المعوزين فإنّها تسدّ حاجاتهم، و تشمل تلك الحقوق الزكاة بأنواعها ، زكاة الأموال (النقدين،الأنعام،الغلاّت)، و الأبدان (الفطرة)، و الخمس و الكفارات بأقسامها المتنوعة في الصيام و النذر و اليمين و العهد، كفارات الحج، وهي بشكل عام في الإطعام والإكساء، ثم الصدقات المستحبة، و ردّ المظالم، و اللُقطة، و الحث على الهدية، و الوصية وغيرها.
و روي عن الإمام الصادق عليه السلام في كفاية أموال الفقراء عند الأغنياء لرفع عوزهم، قوله: «إِنَّ اَللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ جَعَلَ لِلْفُقَرَاءِ فِي أَمْوَالِ اَلْأَغْنِيَاءِ مَا يَكْفِيهِمْ، وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَزَادَهُمْ، وَ إِنَّمَا يُؤْتَوْنَ مِنْ مَنْعِ مَنْ مَنَعَهُمْ». الکافي،ج3ص497 ، فلو تم التكافل الاجتماعي بصورة جيدة و بالواجبات المفروضة و المستحبات المأمور بها لأنقشع الفقر و انتهى العوز.
ومن خطبة لأمير المؤمنين في ذكر المكاييل و الموازين، قال عليه السلام «اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ فَهَلْ تُبْصِرُ إِلَّا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً أَوْ بَخِيلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّهِ وَفْراً أَوْ مُتَمَرِّداً ...»، نهج البلاغة - خطبة 129. إشارة على اتساع ظواهر اجتماعية سلبية من مكابدة الفقير و بطر الغنيّ و بخل البخيل و التي ينبغي أن يتم علاجها، و أنّ بطر الغنيّ و بخل البخيل يزيد من فقر الفقير.
و القضاء على الفقر أو أغلبه و محاولة تأمين أقوات الفقراء ، و تلبية حاجاتهم الضرورية، ولو بحد الكفاف أو الحد الأدنى من الدخل و الحياة من المأكل و الملبس و المسكن ضرورة اجتماعية و أمنية قصوى، و إلا فإنّ المجتمع سيقع في كثير من الإشكالات و الأزمات، لأن الفقير أو الفقراء سيتوجه تفكيره إلى جوانب سلبية و أعداد منهم إلى جانب الجريمة و قد تجرفه، و الظغينة على الأغنياء، و أنّ ما وصل إلىه من الفقر نتيجة غنى من حواليه و ترفهم.
بينما إذا توفر الحد الأدنى للفقير فإنّه سيؤدي إلى تحييد جزء كبير من تفكيره السلبي باستقرار الأنفس و ركونها، وبالتالي يصبح المجتمع أكثر أمنا ، وتقل فيه الجرائم و السلوك الأخلاقي السلبي.
في الكافي في كِتَاب اَلزَّكَاةِ في بَاب اَلْعِلَّةِ فِي وَضْعِ اَلزَّكَاةِ عَلَى مَا هِيَ لَمْ تُزَدْ وَ لَمْ تُنْقَصْ، عَنْ الإمام الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَخْبِرْنِي عَنِ اَلزَّكَاةِ كَيْفَ صَارَتْ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ لَمْ تَكُنْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ [يعني 2.5%] مَا وَجْهُهَا ؟ فَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ اَلْخَلْقَ كُلَّهُمْ فَعَلِمَ صَغِيرَهُمْ وَ كَبِيرَهُمْ وَ غَنِيَّهُمْ وَ فَقِيرَهُمْ فَجَعَلَ مِنْ كُلِّ أَلْفِ إِنْسَانٍ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ مِسْكِيناً، وَ لَوْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَسَعُهُمْ لَزَادَهُمْ لِأَنَّهُ خَالِقُهُمْ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ». الکافي،ج3ص508
في الكافي في مقدار الزكاة عن الإمام الباقر عليه السلام: «إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حَسَبَ اَلْأَمْوَالَ وَ اَلْمَسَاكِينَ فَوَجَدَ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ وَ لَوْ لَمْ يَكْفِهِمْ لَزَادَهُمْ ». الکافي،ج3ص509.
https://telegram.me/buratha