( بقلم : اسعد راشد )
قد يثير عنوان المقال البعض ويعتبره مدخلا لتسويق الاتفاقية التي يتم التفاوض من اجل عقدها بين العراق والولايات المتحدة الامريكية ‘ وقد يعتبر البعض ان هذا الامر يشكل مدخلا للانتقاص من "الوعي الجمعي" حول الاتفاقية التي مازالت قيد التداول وهي قابلة للاخذ زالرد وقابلة للتعديل حسب تصريح طرفي "البيع والشراء" كاي صفقة تجارية فيها الربح وفيها الخسارة الا ان الشاطر هو من يعرف كيف يرجح كفة الربح ويقلل كفة الخسارة وهنا يكمن لب الصراع واصل القضية التي مازال الكثيرون يجهلون حقيقة تلك الزوبعة التي تثار في وجه المفاوض العراقي حول الاتفاقية الامنية التي من المزمع عقدها بين حكومة بغداد وواشنطن .
وقبل الدخول في اصل الموضوع وما نريد طرحه هنا فيما يخص الاتفاقية لا بد من التذكير هنا بامرين مهمين يشكلان اساسا و مدخلا يمكن من خلاله استيعاب اهمية تلك الاتفاقية الامنية وفهم مدى حاجة العراق لمثل تلك الاتفاقية التي يحاول البعض العزوف عنها ومحاربتها واسقاطها دون النظر الى ايجابياتها فيما يسعى البعض الاخر الى الاخذ بحذافيرها دون تمحيص او تعديل فيها دون النظر الى جوانبها السلبية فيما الطرف الثالث ولا غيره يسعى الى اتفاقية مع الامريكيين قوامها مصلحة العراق اولا واحترام سيادته والتطلع الى مستقبله الزاهر اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وامنيا بعد ان يقوم بحذف بعض بنودها التي تشكل نقطة خلاف بين الاطراف المختلفة ..
النقطة الاولي: ان المرجعيات الدينية وخاصة مر جعية النجف الاشرف وكربلاء المقدسة لم ترفض اصل الاتفاقية رغم تحفظها على بعض بنودها والتي دعت بكل صراحة الى دراستها والتعمق فيها قبل الشروع باي خطة تقود الى التوقيع عليها وقد جاء ذلك على لسان وكيل المرجعية الدينية في كربلاء لسماحة الامام السيستاني وهو الشيخ الكربلائي وسائر العلماء المحسوبين على المرجعية الرشيدة لسماحته .. كما ان مرجعية اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي لم يرفض كليا تلك الاتفاقية بل دعى الى التفكير بها مليا والاخذ بعين الاعتبار سيادة العراق واستقلاله في اي نوع من الاتفاقيات الامنية ‘ وهو امر لن يختلف عليه اثنان وقد دعى معظم بل جميع الكيانات السياسية والاجتماعية الى التمسك بامر سيادة العراق ..
النقطة الثانية: لحسن حظ العراق ان قادته اليوم وعدد من زعماءه يملكون تلك الرؤية العميقة في تعاطيهم مع القضايا السياسية مستحضرين حتى تجارب التاريخ الحديث فيما يخص عدد من المحطات التاريخية للعراق التي لم يتم حسن استغلالها فخسر العراق والعراقيون كثيرا وبالتالي وقعوا تحت نير الحكومات المستبدة والشمولية و بحجج واهية لا علاقة لها لا باستقلال العراق وسيادته ولا بما كانوا يروجون له من شعارات جوفاء مثل "العروبة" و"التقدمية" وحتى "الاسلاموية" !
الشيخ عطية النائب الاول لرئيس مجلس النواب قال بصريح العبارة في مقابل مع صحيفة (النور) " انا لست ضد العلاقة الجيدة والمتميزة بين العراق والولايات المتحدة ‘ لانها دولة عظمى لها اسهام في انقاذ العراق والعراقيين من النظام السابق‘ لذا فان الاتفاق الامني ضرروي لنا في المرحلة الراهنة"
هذا الوعي تجلى في جانب اخر من تصريح الشيخ خالد عطية والذي اعتبره البعض استحضارا للعقل الجمعي وفي نفس الوقت استحضار للوعي التاريخي لظروف العراق الحساسة اقليميا وعالميا وتكالب الاعداء من كل حدب وصوب عليه وعلى ثرواته التي كانت ومازالت عرضة للنهب والسرقة من قبل ليس المستعمرين او كما يشاع "المحتلين" بل من قبل ابناء "الاشقاء" وذوي "القربى" ودول الجوار والقراصنة المتنفذين هنا وهناك ! ومن يقول ان امريكا جاءت لتنهب خيرات العراق وتسرق نفطه فهو يستبطن الشر له ويبرئ ساحة السراق الاساسيين الذين نهبوا طوال اكثر من ثمانين سنة ثرواته وسخروا امواله من اجل تثبيت نظامهم الشمولي وتعميمها على المرتزقة واصحاب النوايا السيئة والحاقدة .. يقول الدكتور عطية :" اذ علينا ضرورة مراعاة مصالح العراق الذي لا يزال اسير قرارات دولية تقع تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة وامواله عرضة للضياع والنهب لذلك لا بد ان نسعى للاتفاق مع واشنطن كي نحمي اموال العراق"..
ومن هنا ايضا تنبع اهمية عقد مثل تلك الاتفاقية مع امريكا حالنا حال الكثير من الدول التي لها معاهدات واتفاقيات لا تقل عن مثل تلك التي يزمع قادة العراق عقدها مع واشنطن ‘ فالمزايدات على "السيادة" و"الاستقلال" لها اهداف ومارب لدي البعض تتجاوز المصالح الوطنية للعراق لها ابعاد فئوية وحزبية واخرى طائفية وحتى عنصرية وانتهازية ‘ الامريكيون ليسوا بحاجة الى نهب ثروات العراق وهذا ليس دفاعا عنهم بل هو الواقع وعين الحقيقة ‘ ايرادات العراق من النفط لا تتجاوز 50 مليارد دولار بينما الامريكيون يصرفون على العراق وافغانستان اكثر من 140 مليارد دولار جل تلك الاموال تذهب لتثبيت الامن والاستقرار في العراق وهنا تكمن ايضا اهمية التسريع في تنقيح مسودة الاتفاقية واجراء التعديل عليها بما ينسجم مع المصلحة العراقية ‘ طبعا الامريكيون يرفعون من سقف شروطهم واحتياجاتهم وهذا لا يعني بالضرورة رفض التقليل من ذلك السقف او التمسك بما جاء في المسودة بل ابدوا مرونة واضحة في اجراء التعديل والتفاوض حولها وهو ما أكده ايضا الطرف العراقي .
بالطبع هناك من يريد ان يستحضر الذاكرة العراقية حول اتفاقيات القرن الماضي كاتفاقية 1941 "بورت سميت" التي تم عقدها "صالح جبر" الشيعي مع الحكومة البريطانية تلك الاتفاقية التي لم يكتب لها النجاح وقد اسقطها "القوميون" و"الشيوعيون" وبدعم اطراف طائفية زاعمين ان بريطانيا كانت بصدد تسليم الحكم للشيعة ! فيما الاخرون كانوا يصفونها بالمذلة كما يصفون اليوم الاتفاقية التي تزمع حكومة السيد المالكي توقيعها بالمذلة !دون ان يقرءوها او حتى يدركون شيئ من بنودها !
ومن ايضا كان جواب الشيخ خالد عطية نائب رئيس البرلمان لسؤال صحيفة النور الذي وجهته اليه كان صريحا وواضحا ومحاولة لتفادي اخفاقات تاريخية ومضاعفات السلبية التي قد تسب بكارثة ودمار للعراق ان لم يتم التوقيع عليها حيث السؤال كان بالشكل التالي :
"النور": سماحة الشيخ ‘في خضم النقاشات السياسية والشعبية حول الاتفاقية الامنية ‘ ومحاولات البعض ـ التدقيق في جملة محاولات البعض ـ دغدغة العقل الجمعي العراقي ازاء (بورت سميث)لا سيما صدفة التشابه بين اسمي رئيس الوزراء ( نوري السعيد ونوري المالكي ) كيف يقرأ الشيخ ايجابيات وسلبيات الاتفاقية ؟
جواب الشيخ اتى ليضع بلسما على الجرح التاريخي وهو يقرأ بعيدا لما سوف يناله العراق مستقبلا من ازدهار وتقدم واستقرار وضمان لثروته وحمايتها من تكالب الاعراب والسراق الاقلميين عليها حيث كان الجواب واضحا دون مواربة :"نسعى للاتفاق مع واشنطن كي نحمي اموال العراق"..
ومن هنا ايضا نفهم لماذا حذر الدكتور احمد الجلبي من مجيئ الديمقراطيين الى الرئاسة ودعى الى دراسة مضاعفات ذهاب الجمهوريين ومجيئ الديمقراطيين والسبب واضح لان الاخير ليس فقط يريد ان يسحب القوات لامريكية من العراق بل يريد اعادة عقارب الساعة الى الوراء وتسليم العراق ان سنح لهم ذلك بيد الطائفيين من خلال دعوة مشبوهة اطلقها احدهم بان يتم اشراك من كانوا سابقا في السلطة في الحكم !
الاتفاقية الامنية التي يتم تدوالها اليوم وبعد ان تم التقليل من سقفها امريكيا هي افضل بكثير من اتفاقيات دول المنطقة كدولة قطر والبحرين حتى السعودية بل وحتى ارقى وافضل من اتفاقية وادي العربة بين الاردن واسرائيل وافضل ايضا من اتفاقية سيناء بين مصر واسرائيل ..طبعا ان الذي يسعى لافشال الاتفاقية واسقاطها والتحريض ضدها هم نفسهم الذين دفعوا بالارهابيين للتوجه الى العراق وهم انفسهم الذين يخضون الملياراد الى العراق والى جيوب عملاءهم فيه لتخريب العملية السياسية ونشر الفوضى فيه وهم انفسهم الذي يشترون النفوس الضعيفة ويدفعونهم لخوض الانتخابات باموال خليجية بقصد سد الطريق على شرفاء العراق وتهميشهم واعادة البعث واذنابهم ..
اذن دعوا العقلاء الذين اوصلوا العراق لهذا اليوم الى قرب شاطئ الامان ان يقرروا ما يريدون ويضعوا الاتفاقية على الطاولة قبل نهاية الشهر الجاري ليتم التوقيع عليها فهي مصلحة الجميع وحتى في مصلحة دول الجوار وعلى رأسها الجمهورية الاسلامية التي دعى يوم امس على لسان وزير خارجيتها منوجهر متقي واشنطن الى فتح مكتب ديبلوماسي لها في طهران وتسيير رحلات طيران مباشرة بين واشنطن والعاصمة الايرانية وهذا ان دل على شيئ فانما يدل على ان هناك توافق ضمني بين الاطرف المعنية وان شروط التهدئة بدأت تنضج ليس فقط في بغداد بل بدأت في غزة لتمر عبر بيروت وطهران ودمشق !
اسعد راشد
https://telegram.me/buratha