المقالات

العراقيون بين ثقافة البيعة وثقافة الإنتخاب

1182 21:29:00 2008-07-03

( بقلم : علاء الخطيب )

يدور جدل حاد هذه الأيام حول قانون إنتخاب المجالس المحلية في العراق, وقد حمل القاموس السياسي العراقي مفردات جديدة مثل القوائم المغلقة والقوائم المفتوحة والدائرة الإنتخابية الواحدة والمتعددة وغيرها, فيما يجد المواطن العراقي نفسه في خضم بحر لم يسبر غوره من قبل وثقافة تكاد تكون جديدة من حيث الممارسة والتطبيق , فعلى مدار عقود مضت تعرف العراقيون على ثقافة البيعة التي كرستها أنظمة الغلبة والأستبداد الدكتاتورية و (القصد هنا البيعة بمعناها السياسي لا معناها الحقيقي) ولم يحفل القاموس السياسي العراقي سابقا ً بمفردات كـ الأنتخاب والبرنامج الأنتخابي و المرشح والناخب وغيرها, فلكل ٍ من هذه المفردات معنى يكاد يغيب عن بال الكثير من المصوتين, وذلك لسببين الأول كوَّن َ هذه المفردات نابعة من صميم النظام الديمقراطي الذي لم يعرفه العراق منذ عقود طويلة, والثاني تراكم ثقافة البيعة في اللاوعي بأعتبارها عملية إنتخاب. والواقع أن هناك بون شاسع بين البيعة والانتخاب , فالبيعة هي علامة وإمارةٌ على معاهدة المُبايِـع للمُبايَع له ان يبذل له السمع و الطاعة فهي بمثابة العبودية والتسليم والمبايع يبايع سواء أكان المبايَع له يستحق أو لايستحق القيادة كما حصل في التاريخ الأموي على سبيل المثال, أو ما كان يجري إذبان حكم المقبور صدام فكانت النتائج 99% ففي عملية البيعة لا يحق للفرد رفض البيعة فالرفض يعني الموت, فالبيعة مأخوذة من البيع فهي عقد بين طرفين لايحق للمُبايِع فسخه لأن شرطه هو الطاعة والتسليم للقائد ( الولي) وحينما يفسخ المواطن العقد ( البيعة) يُعتبر ضالاً أو مرتداً , فالبيعة خيار أوحد لفرد وحيد أو واحد وهذا لايكون إلا لمن خصَّهمُ الله بذلك . فالبيعة التي تجري في بلدان الدكتاتوريات والسياسات المستنسخة تجري بطريقة الإقطاعيين ومُلاك الأرض فحينما يشتري الاقطاعي الأرض يشتريها بما فيها من فلاحين ومواشي وزراعة , وهذا ينطبق على نظام البيعة في أنظمة الغلبة والأستبداد , فالمواطن هو الفلاح في مثل هذه الأنظمة منزوع الإرادة مسلوب القرار أي أنه ليس بسيد فهو مبايـِع ومبيوع , وهنا تجدر الأشارة الى أن الحق في مثل هذه الحالة وهذه الأنظمة لايقع على الإقطاعي( السياسي) الذي يشتري الناس بشعاراته الخداعة فحسب بل الحق يقع على الفلاح البائع ( المواطن), الذي يعطي صوته الانتخابي بدون معرفة البرنامج الأنتخابي ( شروط البيع) وشخص المرشح ففي هذ الحالة فهو لا ينتخب بل يبايع وذلك لمخزون ثقافة البيعة في عقله الباطن و إعتقاده بأن التصويت بهذ الطريقة هي قرار وحيد أوحد ولا مساحة إختيار أخرى غير التي يحملها في عقله الباطن المُكرَس لثقافة البيعة.

أما ثقافة الإنتخاب فهي توفر مساحة إختيار واسعة للناخب فهي عملية إنتقاء الأصلح والأنسب بناءاً على البرنامج المقدم من المرشح وسيرته الذاتية وما قدمَ للوطنِ والأمة وهذا الذي لم يمارس في العراق, وإن مورس فقد كان فاقد اً للملامح وحاملا ً لجينات البيعة لا الانتخاب , وما حصل في العراق من قبل بعض الكيانات السياسية التي لاتمتلك رصيدا ً شعبيا ً أو عمقا ً جماهيريا كان مجرد استخدام للآلية الديمقراطية وليس عملية إنتخاب حقيقي مبني على قواعد الإنتخابات المعمول بها في بلدان العالم, بل هي بيعة على اساس الولاء والسمع والطاعة و ميثاق عهد يوجب على المحكوم ويفوَّض الحاكم,

ففي الأنتخابات الجديدة لمجالس المحافطات الأمر بيدو مختلفا ً عما قبل بوجود القوائم المفتوحة التي هي إيجابية مهمة على طريق ثقافة الانتخاب , فالشارع العراقي يبدو متحفزا ً بعد ان ترسخت العملية الديمقراطية أكثر من ذي قبل و بعد مرور عدة سنين على إطلاقها جعلت المواطن أكثر خبرة ًومعرفة في ممارسة العملية الإنتخابية , , فيما سيزداد المُرشح خبرةً ودرايةً ويتحمل مسؤولية أكبر ما دام هو في قائمة مفنتوحة واسمه هو من يواجه الشعب, وستتمخض الانتخابات القادمة عن مولود جديد لا يحمل الصفات الوراثية القديمة, وعندئذٍ سنكرس ثقافة الانتخاب بدلا ً من ثقافة البيعة وسيعَّي المسؤول أنه ممثل للشعب لا الى كتلته السياسية أو طائفته الدينية أو قوميته وأن الذين أنتخبوه هم أصحاب القرار في منحه شهادة النجاح أو الفشل فهذه إنتخابات لا بيعة كما يتصور هو أو يصور للناس ذلك . من هنا فقد عمدت كتلة سياسية كبرى وذات قاعدة شعبية كبيرة الى إختيار مرشحين غير محسوبين عليها ولا منتمين لها, وكان شرطها الأساس هو الولاء للوطن والايمان بالعملية السياسية والكفاءة والنزاهة والقبول الجماهيري والتحصيل العلمي ثم يصوت على المرشح بتصويت أولي بمثابة جولة أولى من الانتخابات في دائرته الانتخابية بعد ذلك يعرض على الشعب كمرَشح ,وهذه العملية تعد ايجابية وارساء لدعائم ثقافة الانتخاب دون الاخذ بالنظرة الحزبية الضيقة والقوقعة الطائفية . وهي بذات الوقت خطوة لتكريس وتدعيم العملية الديمقراطية وترسيخ دور المواطن في هذه العملية وإشعاره بدوره المهم في تغير المعادلة وتصحيح المسار من خلال صوته الثمين والثمين جدا ً , فالصوت الواحد يغير ويبدل الكثير في الحسابات الأنتخابية ولا تغير الاصوات مهما كثرت عملية الرفض في البيعة .

علاء الخطيب / أكاديمي عراقي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك