طاهر باقر
ملايين الدولارات تجني كوريا الجنوبية من المسلسلات والتمثيليات التي تنتجها المؤسسات الفنية في هذا البلد، ولو تفحصنا موضوع معظم المسلسلات وجدناها مبنية على اساس اساطير ألفها الادباء لديهم ولاعلاقة لها بتاريخهم، هم يصنعون شخصية اسطورية ويضعونها موضع الاسوة والمثل الاعلى في التضحية والفداء والاخلاق الانسانية، واذا قرأت تاريخ البلد لاتجد مافي القصة او المسلسل مايشبه تاريخهم الحقيقي.
ونحن الشيعة لدينا الشخصيات الحقيقية التي تمثل البطولة والتضحية والفداء لكننا عاجزون عن طرحها للعالم من خلال التمثيليات والمسلسلات والافلام، وهذا ظلم كبير نمارسه بحق هذه الشخصيات العظيمة التي لدينا ، فقضية كربلاء وقصة الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء تحتوي على كافة العناصر التي يمكن من خلالها تحويل هذه القصة الى ملحمة تاريخية، وربما نكون بحاجة الى مستوى عالي من الفن القادر على طرح هذه القضية بكل تفاصيلها دون نقص مما لايتوفر امكانه في العراق او حتى في البلدان العربية وفيلم بحجم قصة الامام الحسين عليه السلام بحاجة الى امكانات فنية هائلة، لعرضه عبر شاشات السينما.
يُعقّدُ البعض القضية بالمسائل الشرعية ويجعل الفقه مقابل هذه الاعمال مع ان علماءنا الكبار الاقدمين وحتى الجدد منهم شجعوا على هذه الاعمال من دون وضع العراقيل الفقهية، فنحن نشاهد في محرم الحرام وفي زيارة الاربعين مشاهد التشبيه التي تعبر افضل من الاسلوب الخطابي عن المأساة مما يوضح ان جماهير الشيعة كانوا الى جانب مثقفيهم منذ مئات الاعوام على قرب من المسرح وتمثيل الفاجعة، ولم نسمع من احد المراجع يقول ان تمثيل دور الامام الحسين عليه السلام في التشابيه محرم؟! وكل علمائنا الاسبقون رأوا بام اعينهم ذلك الرجل الذي يمثل دور الامام السجاد عليه السلام في التشبيه والسيدة زينب سلام الله عليها وعلي الاكبر والعباس والقاسم عليهم السلام ولم يعترضوا فلماذا هو غير محرم في التشبيه وممنوع في الافلام؟
هناك مؤامرة على الثقافة الشيعية، ومثلما يعجز الاعلام العربي والاسلامي وحتى العالمي الذي يدعي الحرية عن نشر الحقيقة بخصوص زيارة الاربعين الخالدة هو نفسه يمارس سياسة التعتيم على الثقافة الشيعية وشخصياتها العظيمة بل وممارسة التشويه بحق هذه الشخصيات لكي لاتخرج من صفحات التاريخ ويعاد الحياة اليها من خلال اظهار ماعملته او ماقالته على صعيد الثقافة.
في البداية وقبل ان نتهم الآخرين لابد ان نراجع انفسنا ونسأل لماذا عجزنا حتى الآن عن تعريف العالم بقضية الامام الحسين عليه السلام؟
الله سبحانه وتعالى ومن خلال الآية الكريمة يبين لنا ان المشكلة فينا (ان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم) "الرعد – 11" واليوم نحن نملك كل الامكانات لنشر قضية الامام الحسين عليه السلام على صعيد العالم، لكن مالذي فعلناه لنشر هذه القضية ؟؟ وهي اعظم قضية في الكون وفي الآخرة ونحن الذين نتوقع من الامام الحسين عليه السلام شفاعته يوم القيامة مالذي فعلناه من اجل قضيته؟.
بالطبع نحن نشد على ايدي الجاليات الشيعية في بلدان العالم شرقا وغربا التي تعمل جاهدة على توصيل رسالة الامام الحسين عليه السلام الى تلك الشعوب من خلال مواكب العزاء في الشوارع وخاصة التشابيه الاعظم تأثيرا على قلوب الناس.
لكننا نوجه العتب الى المؤسسات الثقافية والمراكز الدينية التي تقع هذه القضية ضمن مسؤولياتها، واذكر في المناسبة مقابلة مع الشهيد المخرج السوري الذي قتل على يد داعش مصطفى العقاد والذي اخرج فيلم الرسالة الخالد فهو مر على بعض البلدان والمراكز الاسلامية فيها من اجل اقتراح انتاج فيلم عن الامام علي عليه السلام لكنه جوبه بكومة من الافكار المتحجرة التي تمنع قيام او انتاج مثل هذا الفيلم، وكان في وقتها قد اقترح على السيد المغيب موسى الصدر تمثيل دور الامام علي عليه السلام في الفيلم لدفع شبهة من يتحجج بعدم جواز تمثيل دور الامام علي عليه السلام.
وحول الموضوع والاعتراضات التي اثيرت بشأن تمثيل ادوار الشخصيات الدينية في الاقلام السينمائية نشرت بعض المواقع اللبنانية آنذاك "في بداية الستينات عندما قرر مصطفى العقاد مخرج فيلم "الرسالة" إنتاج هذا الفيلم قامت معظم الأوساط الدينية في لبنان وإيران و العراق وجميع الدول الاسلامية أعم من الشيعة والسنة بمعارضته معارضة شديدة، في هذا الخضم كانت الشخصية الدينية الوحيدة التي لم تعارض ذلك وقامت بتشجيع المخرج وإضافة إلى ذلك قام بالتعاون معه تعاونا لصيقاً كان الإمام موسى الصدر، وفي النهاية تم تزيين هذا الفيلم التاريخي بتوقيعه وختمه، كان يعتقد أن العدو يستخدم اليوم الفن السابع لغزو المعسكرات الثقافية للإسلام ويمارسون ذلك بمنتهى النذالة، ونحن أيضاً علينا أن نستفيد من هذه الحربة ونتموضع في هذا الخندق وننهض لمحاربتهم بالإستفادة من هذا الفن المقدس، في غير هذه الحالة سنبقى دائماً مغلوبين في هذا المجال" (1)، ولابد ان اذكر ان فيلم الرسالة منع في السعودية لمدة اربعين عاما .
نحن بحاجة الى فيلم بمستوى فيلم الرسالة عن الامام الحسين عليه السلام، واملنا في العتبة الحسينية التي نفذت المشاريع الكبيرة ان تقوم بهذه المهمة الضخمة مع مالديها من مسؤوليات عظيمة على صعيد توسعة الحرمين الشريفين او المشاريع الاعمارية والانشائية الاخرى لكننا بحاجة ماسة الى هذا المشروع الثقافي وهو بلا شك سيكون بمثابة ظاهرة حضارية تكشف الوجه الحقيقي لثقافة وتاريخ اهل البيت صلوات الله عليهم وبالامكان تحديد لجنة معنية لتنفيذ هذا العمل الجبار ويمكن الاستفادة من تبرعات الجاليات الشيعية الموجودة في الخارج في سبيل تنفيذه واخراجه على احسن وجه.
واقول لمراكزنا الثقافية والفكرية اذا لم تقدموا على انجاز هذا العمل اليوم فإن اعداء اهل البيت سيبثون الافلام والمسلسلات لتشويه صورتهم وكما فعل الامويون في تلك الازمنة من تشويه تاريخ اهل بيت النبوة سيقوم احفادهم اليوم بنفس الجريمة وسيبثون المسلسلات والافلام التي تظهر الحسن والحسين عليهما السلام على خلاف صورتهم الحقيقية ومبادئهم الانسانية.
بالطبع لابد من التدقيق بالسيناريو والاختيار الصحيح للفريق الذي يقوم بتنفيذ هذا المشروع، من كتّاب وممثلين وفنانين، ونحن الذين ندعي خدمة الامام الحسين عليه السلام اقل شيئ متوقع منا ان نطرح قصته للعالم ولابد من التذكير بقضية حساسة وهي ان الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف سيعّرف نفسه عند الظهور من خلال جده الامام الحسين عليه السلام ومن خلال الاشارة الى قضيته ويقول: ألا يا أهل العالم أن جدي الحسين قتلوه عطشانا، ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين طرحوه عريانا، ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين سحقوه عدوانا.
وهذا يعني ان العالم في وقت الظهور يعرف الامام الحسين عليه السلام، وهنا اسأل هل العالم اليوم يعرف الامام الحسين؟ يجب ان نعرّفه للعالم من خلال فيلم سينمائي يوضح ويكشف قصته الحقيقية وماجرى عليه بكربلاء!!.
بقلم : طاهر باقر
========================================================
الهامش
(1) موقع الاخوة – السبب في نجاح الإمام موسى الصدر- تمت المشاهدة بتاريخ " الاثنين 13 صفر 1446-20 اغسطس 2024 http://okhowah.com/ar/13000
https://telegram.me/buratha