( بقلم : بشرى الخزرجي )
اشعر وكأني أتكلم مع نفسي (أعيد واصقل) وأنا اكتب عن قصص المهجرين والمهاجرين إبان العهد البائد، خاصة وان الكثير غيري تعرض لهذا الموضوع وبإسهاب، وان ما أسطره يشبه إلى حد ما طريقة العرضحالجي الذي يخط بقلمه مشاكل الناس وما يتعرضون له من حقوق مضيعة يرومون الحصول عليها.. لست وصية على أحد، ولا أحاول استعارة مهنة العرضحالجي الشهيرة في بلادنا لكي أشير لمشاكل مهجري ومهاجري الفترة السابقة، وأنا المبعدة عن مدينتي ووطني منذ سنين الطفولة، إنما الواجب الإنساني والدافع الضميري الذي يحثني للتطرق لمعاناة هؤلاء الناس حيث تفصلني عنهم بحور وقارات.
أبو حسين رجل عراقي تعدت سنين عمره الستين قضا معظمها خارج وطنه مجبرا لامخيرا ، كما هو الحال بالنسبة لآلاف ربما الملايين من العراقيين الذين حكمت عليهم سياسات النظام البائد الظالمة وما بعدها من إفرازات العهد الجديد أن يستظلوا بظلال المنافي بدلا عن فيء الأوطان الدافي .. سائلين المولى سبحانه وتعالى العودة إلى أرض الآباء والأجداد قبل أن تضمهم قبور الغربة والغرباء والى الأبد.
قبل ما يقارب الأربعة أعوام وبعد أن سقط النظام في العراق فضّل هذا الرجل العراقي الطيب الرجوع إلى الوطن، ظنا منه أن حقه المهضوم سيعود إليه، وان أملاكه في مدينته البصرة الفيحاء التي سلبت منه من قبل النظام البعثي الزائل سترجع وبيسر دون عسر وبلا وسيط اللهم وساطة الضمير الذي بدا عملة نادرة في زمن مليء حتى التخمة بما يعرف بالفساد الإداري، عاد الحاج أبو حسين وهو على يقين أن العراق الجديد لن يخذله كما خذله وظلمه العراق القديم! وأن الحق سوف يعود لأصحابه حسب اعتقاده ومعه تعويض غربته وذل أيامها فكما يعرف إن (مّن خرج من داره يقل مقداره) .. رجع الرجل والحنين يسبقه إلى حيث مسقط رأسه محلته القديمة في منطقة العشار والتي تضم بين ساكنيها أسراً متعددة الأديان والمذاهب، فله في هذه المحلة ذكريات وبيت شناشيلي قديم وهو بيت الأسرة الكبير الذي يلم الشمل صباح كل جمعة وفي الأعياد والمناسبات العائلية إن كانت مناسبة فرح أو ترح.لقد صودر هذا البيت وصودرت معه فرحة لمّت الأهل والأحباب، كما تم الاستيلاء على بيته الخاص به وبأسرته، وتشتت شمل العائلة حيث هجرت خالية اليدين إلى إيران، لا تفقه من لغة القوم شيئاً، وعلم أبو حسين المسكين لاحقا إن هذه الأملاك تم بيعها دون ذمة ولا وازع من ضمير إنساني وأخلاقي، ولم يعد له شيء في العراق، وهو الذي واصل الليل بالنهار من اجل توفير حق سكن يحمي أسرته من غدر الزمان!..عاد الرجل إلى وطنه بعد السقوط .. وأي عودة؟ لقد صدم بحقائق من واقع الحال المرير حيث التأخير والمماطلة في إجراءات المعاملة لم تكون في الحسبان، فإن استرداد العقار المغصوب ليس بالشيء الهين على مايبدو في عراقنا الجديد!!يقول أبو حسين يا ريت على الروتين والفساد الإداري كما يسمونه وبس .. من حيث واحد يجرني بالطول والثاني بالعرض..أنا يا عمي مُطالب بالدفع والحقيقة ما عندي بعد ادفع خلصت الفلوس على المحامي ولم استلم شيئاً حتى اللحظة .. (بويه آنا رجال مريض وحقي مسلوب إبدال ما الدولة تعوضني خسارتي إنّوب يردوني أدفع ثمن غربتي وحسرتي على بيتي؟ هاي وين صايره!!.. والله وضع تعبان) خليها على الله.. لو تعرفون أخلاق بعض الموظفين مع المراجعين .. واحدهم راد يجلب لي الشرطة على مود اعترضت على تأخير المعاملة التي لا أعلم متى تحسم! .. بس الله كريم انتظر ولوهو اشبقى بالعمر.
يتساءل الحائر أبو حسين قائلا: إن الحكومة العراقية أفرحتنا وأدخلت السرور إلى قلب الكثير من العراقيين خارج القطر، وعلى لسان العديد من مسؤوليها آخرها ما جاء على لسان رئيس الوزراء المالكي ووعدت المغتربين من المهجرين والمهاجرين وضمنت لهم التسهيلات اللازمة، وإعادة أو تعويض الضرر الذي أصابهم، والجميع يعلم حجم الخسارة التي تعرض لها أبناء العراق من المهجرين السابقين الذين سلبت أملاكهم عنوة وسكنت بغير وجه حق من قبل أناس آخرين، أين هذه التسهيلات التي يتحدثون عنها؟ لم نر منها شيء .. أنا اخترت العودة والعيش ما بقي من عمري بين أحضان بلدي .. ولم أطالب إلا بتعويض أملاكي التي كنت قد اشتريتها بمال حلال تعبت فيه، والنتيجة كما يضيف الحاج أبو حسين إني أدور مثل الرحى بين الدوائر أبحث عن هذا الحق المغصوب!
انتهت قصة الرجل، أتركه يبحث عن حقه وأعود لأسجل موقفاً حصل معي على اعتباري من المغتربين والمهجرين والمغضوب عليهم ولا الضالين.. قبل أيام ذهبت إلى القنصلية العراقية في لندن من أجل الحصول على (فيزا) كي أتمكن من زيارة وطني! وبما إني لا أملك أوراقاً في الوقت الحاضر تثبت عراقيتي وعراقية أبنائي المولودين في بريطانيا، اللهم لساني البصري اللهجة فقط!، قوبل طلبي هذا بالرفض وإن عليّ إحضار شيء يثبت أني عراقية مو هندية!، بالرغم من أن زوجي قدم للموظفة المختصة أوراقا عراقية عثمانية الأصل (!) وبعد رد وبدل وسجال وقال وقيل، وكلام لم يخل من نّفّس المحاصصة التي حسب الظاهر تم إنتاجها وتصديرها إلى العراق معلبة من العاصمة لندن .. أخذوا جوازاتنا على أمل أن نستلم سمة دخول الوطن بعد أسبوع .. يا عيني، ما هذه التسهيلات الكبيرة والتشجيعات الفائقة يا حكومتنا الجليلة.. وسلمى ياسلامة رحنا وجينا بالسلامة.
بشرى الخزرجي_لندن
https://telegram.me/buratha