كوثر العزاوي ||
من الظواهر التي يمرّ بها مجتمعنا اليوم، هي مخالفة عمل المرءِ قولهُ، أو تراه يأَمر الناس بِالبر والمعروف وينسى نفسه، ووالله، إِن ذلك لمن أَشد المَقتِ للنفس، أو لعله مِن سَفَهِ الرأي، بدليل قوله عزوجل:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ الصف: ٢-٣
كما نجد في القرآن ما يشبه هذا التأنيب، في قوله تعالی: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾البقرة ٤٤
ومثل هذه الآيات فإنها تشكّل حجة على المؤمن الذي يتلو كتاب الله "عزوجل" كما انها تمثّل قضية مهمّة جدا في كل واقعنا على جميع المستويات، سواء كان هذا الواقع ضمن العلاقات الأجتماعية العامة، أو كان على مستوى مايبلّغ به الناس ثقافيًا أو أخلاقيًا أو سياسيًا،كما نرى من العاملين في حقل السّياسة من شعارات ووعود، أو في غير ذلك مما يريد الله للناس أن يأخذوا به أو يتركوه،وهاتان الآيتان أعلاه تؤكّدان رَدم المسافة بين القول والفعل، لأنّ الإنسان في حركته الانسانية يملك تعبيرين عمَّا في داخله مما يعتقده، أو مما يتعاطف به، أو مما ينتهَج من نهجِ القول والفعل والقناعات، فقوله عادة هو صورة عمّا يفكّر فيه وعمّا يشعر به، وفعله ترجمان يصوّر عمّا يعيشه في داخل نفسه، فكما أنَّ القول كاشف عن عمق المتكلم، فالفعل أيضًا كاشف عن عمق ذات الفاعل بما يدل على الاستقامة والانحراف، وثمة مَن يحكم على الناس بأقوالهم وأفعالهم، حتى إنّ الفقهاء جعلوا ظاهر الفعل علامة دالة على عدالة الإنسان ضمن التحرّك في خطّ الاستقامة، وكذا العلامة على فسقهِ عندما ينحرف عن هذا الخطّ، ومن هنا اعتبر الإسلام الإنسان من داخله وحدة واحدة من حيث الوجود وليس شيئين اثنين، فهو فكرٌ واحد في عقله الّذي يفترض أن يؤكد الرأي المحدّد الذي لا يتلوّن في أية قضية من القضايا، ويثبت القرار المستقر غير المتذبذب، طالما أنه انسان ذو عقل واحد وقلب واحد، لذا لا يمكن أن يؤمن بالشّيء وضدّه في الآن نفسه، أو أن يشعر بالشَّيء وضدّه في ذات الوقت، أو يقول الشيء ويفعل غيره!! وقد نستوحي ذلك المفهوم في الجانب الفكريّ والروحي والعاطفيّ من حقيقة قوله تعالى:{ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}الأحزاب ٤.
فياأيها الانسان، طالما أنك عقل واحد وقلب واحد، إذن انت واحد في منطق عقلك وفي منطق قلبك وإحساسك، وعلى هذا الأساس لابدَّ من أن يكون التّعبير والتصريح ايضا واحدًا لاتعددية فيه ولاتذبذب معه!!
ومن هنا يتضح : أنّ القول والفعل هما الوسيلتان للتّعبير عن الاعتقاد والإيمان والإحساس، ولابدَّ من أن يتطابقا-القول والفعل- وأن لايناقض أحدهما الأخر، ومَن خالف فعله قوله فهو كاذب في تبيينهِ الحديث وتبليغها الفكرة، وإنّ التناقض يُعدّ مفارقة غريبة في حركة المؤمن، إذ لا يمكن أن يكون متناقضًا والناس تثق به وتأخذ عنه، لأنَّ معنى ذلك أنّه يكذب إمّا في قوله، إن كان قوله مخالفًا لما يؤمن به، أو في فعله، عندما يخالف فعله مايؤمن به ويدعُو إليه! والإنسان المؤمن يجد ذاته حيث هو في العمق، وحيث هو في العقل، وحيث هو في القلب، وحيث هو في الكيان والإحساس والشّعور والعاطفة، فهو يتحرّك بين الناس بمقتضى تكليفه وحدود مسؤوليته، فإذا عبّر عن نفسه بطريقة ما ثم يعبّر عنها بطريقة مناقضة أخرى، أو ناقض قوله فعله وحركته، فإنّه يعيش الزيف والقلق واللاإستقرار، بحيث يصل إلى مرحلةٍ لا يعرف فيها ماهو وماعنده قبل أن يفكِّر فيه الآخرين! وعلى كل حال، إنّ مفهوم الآية يشمل كل تخلّف عن عَمد، سواء تعلّق الأمر بنقض العهود والوعود، أو غير ذلك من الشؤون والعلاقات والتكليف والمهمات، لذا نقرأ في رسالة الإمام علي"عليه السلام" لمالك الأشتر أنه قال:{إياك أن تَعِدهم فتتبع موعدك بخلفك، والخلف يوجب المقت عند الله والناس} وقرأ الآيتين، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}، فكن على حذر يابن آدم، فقيمتك في تطبيق منهج القرآن، لا التقييم الذي تحضى به عن طريق المجاملات والمصالح الشخصية، فإنّ الناقد بصير {وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} النساء٢٧.
١٤-ربيع اول-١٤٤٥هج
٢٩-٩-٢٠٢٣م
https://telegram.me/buratha