المقالات

الحاشية على دين الحكام


رياض سعد

في دول العالم الثالث ؛ يلعب الحاكم دورا مركزيا في ادارة شؤون الدولة , الا ما شذ وندر , فلا قول الا قوله ولا رأي الا رأيه ؛ ولعل مقولة : (( اذا قال صدام : قال العراق )) تجسد هذه الظاهرة السياسية السلبية , وقيل ايضا : (( الوحدة بآمرها )) وهذه المقولات الصدامية البعثية لا زالت سارية المفعول الى الان ؛ اذ نرى الوزارة تعكس توجهات وزيرها الطائفية والقومية والحزبية والمناطقية ... ؛ وكذلك الدائرة بمديرها , والحكومة بحاكمها , والكتلة السياسية بزعيمها ... الخ .

وهذه الظاهرة تكشف لنا حقيقة علاقة الحاكم بالمحكوم والمسؤول بالمواطن ؛ فهي علاقة الى حد ما تشبه علاقة الغالب بالمغلوب , والسيد بالعبد , والامر بالمأمور ... الخ , وفي هذا الإطار، القضية المحورية التي يمكن أن نضع فيها كل تلك المقولات، على اختلافها ؛ هي : "التبعية العمياء " ؛ وهي تذكرنا بالمبدأ البعثي والطائفي الهجين الهدام : (( نفذ ولا تناقش )) والذي يشجع الحكام على الدكتاتورية والجور والظلم والاستبداد والقهر والتفرد بالقرار ... ؛ فهي ليست علاقة مبنية على الاحترام المتبادل بين المسؤول والمواطن باعتبار ان كليهما من ابناء الوطن الواحد ؛ وهما يعملان بروح الفريق الواحد , وكلا من موقعه وحسب وظيفته ؛ فلا تعالي في البين ولا استغلال ولا اخلال بالمسؤولية العامة كما هو الحال في بعض الدول المتحضرة .

الناس في مجتمعنا بطبيعتهم يميلون إلى تقليد الحكام , واتباع خطوات السلاطين , ومراقبة اقوالهم وافعالهم والعمل وفقا لما يروه منهم ؛ فأن كان الحاكم فاسدا او ظالما او متساهلا ومتسامحا مع الفاسدين والظالمين ؛ رأيت حاشيته والموظفين ؛ فاسدين وظالمين ومتساهلين مع قضايا الفساد والمظالم ولا يأبهون بها .

بل ان سلوكيات رجال الحكومة وتصرفات موظفي الدولة السلبية ؛ تنعكس سلبا على افكار المجتمع , بالإضافة الى تأثيرها السلبي على الرأي العام ومزاج الجماهير , مما يصير هذه الظاهرة السلبية ظاهرة طبيعية واعتيادية بنظرهم .

وهذه المقولة هي استنساخ وتكرار للمقولة التاريخية المعروفة : (( الناس على دين ملوكهم )) و التي تؤول تسويغا للاستبداد ومركزية السلطة وتهميش دور الشعوب وإرادتها , والجماهير وفاعليتها في صنع القرار الوطني ؛ وهي تمثّل حالة جبرية أو ظاهرة حتمية وفقا للثقافة المنكوسة ؛ اذ يراد منها استغفال الجماهير والضحك عليهم , وتعطيل طاقاتهم وشل اراداتهم ؛ ولعل اغلب مشاكل مجتمعنا بسبب هذه المقولات الباطلة والروايات التاريخية المنكوسة او التي فسرت بطريقة مغلوطة .

وقد ذكر أحد المؤلفين السينمائيين موقفا تعرض له في بداية مشواره المهني ؛ عندما اتفق مع أحد المخرجين لتصوير مسلسل من تأليفه , و قاموا بتصوير أول حلقة و عرضها على جهة الإنتاج , و كان رد المنتج بعد رؤية الحلقة : أن الإضاءة سيئة و الأداء باهت و النص غير مترابط و يوجد عيوب بالمونتاج , فقال المخرج : ( المهم أنه لم ينتقد الإخراج ) ... ؛غريب أمر هذا المخرج , كيف يظن أن أداءه الإخراجي ممتاز رغم أن جميع عناصر المسلسل ( التي يتحكم هو بها ) سيئة ؟!

يذكّرني هذا الموقف بما يدور في وزارات ودوائر ومؤسسات الدولة العراقية بل ومكاتب الاحزاب والجماعات الدينية ... ؛ حيث تجد العديد من أفراد امتنا العراقية المنقادين خلف الحكّام ينتقدون حاشية الحاكم والزعيم والمسؤول و يتهمونها بالفساد و أنهم سبب خراب البلد ودمار الوطن , و في نفس الوقت ينزّهون الحاكم والزعيم والمسؤول عن هذا الفساد ؛ متعللين بأنه صالح لكن من حوله هم الفاسدون !

يخطئ من يظن أنه يمكن فصل فساد الحاكم عن فساد الحاشية , فالحاكم قبل أن يصبح حاكما كان فردا في حاشية الحاكم الذي سبقه ؛ والحزب والكتلة التي كانت تصوّر له أن البلاد ستضيع بدونه و أن الله قد ساقه في هذا التوقيت لإنقاذها من الخراب ؛ و هم يعلمون أنهم كاذبون لأنهم هم من صنعوا هذا الخراب حتى يسيطروا على الشعب من خلال إيهامه طوال الوقت أنه تحت التهديد , و عند رحيل الحاكم السابق ؛ يتم تصعيد هذا الفرد ليحل محله , فهو إذا على دراية تامة بكذب و فساد الحاشية والحزب والكتلة , فكيف يدّعي البعض أنه لا يعرف شيئا عن فساد الحاشية والكتلة ( التي كان فردا منها ) ؟!

و نرى بعض الناس يحاولون تبرئة ساحة الحاكم والزعيم من هذا الفساد بدعوى أن الحاشية والكتلة قوية ؛ و أنه لا يستطيع القضاء عليها , و هم لا يدرون أنهم بقولهم هذا يهينون الحاكم والزعيم ؛ حيث يظهرونه بمظهر الشخص الضعيف الذي لا يقوى على إزالة الفساد , كما أنهم يناقضون أنفسهم : فكيف يكون الحاكم الشجاع المقاوم الواقف في وجه أعداء العراق والاسلام والمذهب والطائفة والقومية و الأمة العربية ... ( على حد زعمهم ) غير قادر على إزالة الفساد ؟!

إن الخطأ الذي دائما ما يقع فيه الثوار في أي زمان و مكان هو الفصل بين فساد الحاكم و فساد حاشيته فنراهم يثورون على الحاكم ثم يتركون الحكم لأحد أفراد حاشيته , و بعد ذلك يتعجّبون : لقد رحل الحاكم فلماذا لم يرحل الفساد ؟! ؛ وكيف يرحل الفساد والظلم ودوائر الدولة مليئة بالبعثيين والطائفيين والانفصاليين والخونة والمنكوسين ؛ بل ان مساحتهم في الحكومة اكبر من تواجد ابناء الشهداء والسجناء وضحايا النظام البائد ؟! (1)

ولعل سلوك الامام علي مع ولاة الامر السابقين ومنهم معاوية ؛ من الادلة الدامغة على ضرورة معرفة الحاكم بنوع الحاشية التي تحيط به , وتطهير جهازه الاداري من الفاسدين والظالمين ؛ اذ كان باستطاعة الامام علي تجنب الحرب ؛ بمجرد ابقاء ولاة الامر في مناصبهم وعدم التعرض لامتيازاتهم السابقة , الا انه لم يفعل ذلك ؛ لعلمه بحقيقة هؤلاء , ولم يداهن على حساب الحق والعدل والمساواة بين المسلمين والمواطنين كافة .

..........................................................................

1- فلماذا لم يرحل الفساد ! .. الحاكم والحاشية / عمرو يسري / بتصرف .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك