نزار العبادي ||
لم يصمد البعث طويلا بعد 2003 حتى انقسم بعد أقل من عامين الى (صداميين) موالون لعائلة صدام التي تصدرت ابنته (رغد) واجهتها، و(دوريين) بزعامة عزت ابراهيم الدوري الذي آلت إليه زعامة قيادة البعث خلفا لصدام، واتخذ الجناح الاول من عمان ودمشق مقران لوجودهم، بينما أصبحت صنعاء مقر الدوريين وحضيوا بدعم نظام الرئيس القذافي ودولتين خليجيتين، الامر الذي منحهم قدرة ظهور أقوى.. غير ان كلا الجناحين ظلا يناصبان بعضهما البعض العداء بقوة، في ظل تنافسهما على زعامة البعث.
في 2005م اتجه جناح الدوريين الى تشكيل جناح عسكري بقيادة الفريق اول ركن خالد الهاشمي، مقره صنعاء،، وكان يتولى دعم الحركات (السنية) المسلحة في العراق، وتصدير عناصر تنظيم القاعدة، وينسب لنفسه عمليات "جهادية".. لكنه تراجع كثيرا بعد اغتيال الهاشمي بصنعاء في تشرين الاول 2012، وكان حينها مستشارا لقائد الفرقة المدرعة الاولى الجنرال علي محسن الاحمر (ذراع السلفيين في اليمن)، ثم صعود الحوثيين الى الواجهة السياسية في 2013م وهروب القيادات البعثية من اليمن الى دول مختلفة، خاصة وان الحوثيين يتهمونهم بالتورط بالحروب السابقة ضدهم من خلال وجودهم بالمؤسسات الامنية والعسكرية اليمنية.
بعد 2013 بدا يتشكل جناح بعثي ثالث في الولايات المتحدة من شخصيات اغلبها من الدوريين وقليل من الصداميبن ممن حصلوا على لجوء، وجميعهم انتهازيون يبحثون عن المال والحماية.. لكن جميع الاجنحة الثلاثة لم تستطع بناء اي تنسيقات مهمة مع قوى المكون السني في داخل العراق، حيث ترى فيهم هذه القوى تهديدا لنفوذها السياسي ومصالحها الاقتصادية ووجودها بالكامل.. لكنها لا تتردد بين الحين والآخر عن تسريب عقد لقاء عابر في تركيا او لندن او واشنطن، او الادلاء بتصريحات استفزازية، بقصد ترهيب القوى الشيعية الحاكمة وابتزازها.
وبالمقابل فإن هناك قوى سياسية شيعية دأبت أيضا على وضع البعثيين في صدارة اي احداث عنيفة في العراق، وتهويل نفوذهم، وتعظيم مخططاتهم، وتخويف الشارع منهم، لاستثمار ذلك انتخابيا، ولاعتقادها ان ذلك يعزز العصبية الطائفية ويجعل الجمهور الشيعي متمسكا بها ويلتف حولها خوفا من العودة إلى زمن القهر والمقابر الجماعية، إلا ان هذا التوجه منح البعثيين ترويجا مجانيا ونفوذا يفوق حجمهم بكثير جدا، وسهل لهم خداع جهات خارجية وابتزازها، وبنفس الوقت جعل مسالة اسقاط نظام صدام من قبل القوى الشيعية "نصرا منقوصا" طالما هم يقرون ان البعث مازال متوغلا بمفاصل الدولة ويهدد النظام السياسي.
قبل أشهر قليلة تفاجأ العراقيون بظهور (رغد صدام) بعد غياب سنوات، وبحديثها عن امكانية عودتها للعراق واستقبالها بحفاوة،، غير انهم لم يعرفوا ان السر وراء هذا الظهور هو ولادة جناح جديد في البعث يتبنى الترويج لزعامة (علي صدام) وهو ابن الزوجة الثانية لصدام (سميرة الشابندر)، انطلاقا من كونه الولد الوحيد المتبقي لصدام والاحق بخلافته من (رغد) التي سبق ان غدرت بأبيها وهربت مع زوجها (حسين كامل) الى الاردن في آب 1995م- على حد تبريرهم، الامر الذي استفز السيدة رغد وبقية عائلة صدام، لينطلق بذلك صراع جديد وساخن، دفع رغد لمعاودة الظهور والتنافس على كسب الولاءات البعثية.
يمكن القول، ان البعث فقد تماما صفته ككيان سياسي، وتحولت بقاياه الى اجنحة صغيرة جدا متناحرة، تخون بعضها البعض، وتنهمك بصراعاتها البينية واستثماراتها خارج حدود العراق.. ويخطيء كثيرا من يخيل له ان ظهور صورة لصدام او منشور او هتاف يبجله هو مؤشر لوجود تنظيم بعثي، فالامر لا يتعدى نكاية بالقوى السياسية الحاكمة- خاصة الشيعية- او استفزازا سياسيا لها من قوى مكون آخر.. واعتقد بقوة ان طبيعة الصراعات الدولية القائمة حاليا، وتغير المعادلات السياسية الأقليمية وفلسفة الصراع الشرق- اوسطي، كلها تتجه بالعراق نحو فرص استقرار كبيرة، وحقبة جديدة لا تسمح باي عودة للرهانات التقليدية للصراعات التي شهدها العراق خلال العشرين عاما الماضية.
https://telegram.me/buratha