محمد شريف أبو ميسم ||
قد لا ندرك من حركة التاريخ سوى انها عملية تغيير مستمرة على مساحة الزمن بفعل النشاط والجهد البشري وما يرافقهما من أحداث وتفاعلات بين الانسان وبيئته، ليكون التاريخ شاهدا على مخرجاتها التي تبقى عالقة في ذاكرة الشعوب والأمم.
ومن هنا "على أقل تقدير" يمكن أن نقرأ ما وصل اليه هذا العالم اليوم بعد التطور الهائل في علوم " الاتصالات، اقتصاد المعرفة، تكنولوجيا المعلومات ، الادارة عن بعد، علوم النانو، التقانات الاحيائية، الذكاء الاصطناعي، ومن ثم المدن الذكية " وما ترتب من مخرجات سياسية واجتماعية واقتصادية لهذه التطورات العلمية، ابتداء بالوجه الجديد للحرية ممثلا بالليبرالية الجديدة والدعوات لحق الملكية المطلقة وصولا لاحلال سلطة رأس المال محل سلطة الدولة في شكل العالم الجديد، مرورا بتدجين الشعوب بوصفها جماعات بشرية من الآكلين عديمي الفائدة Useless eaters، والطعن بشكل الدولة التقليدية التي تحاول الدفاع عن هويتها في ظل العولمة التي هشمت شيئا فشيئا حدود الدولة التقليدية في اطار النظم الاقتصادية الجديدة واحتكرت النظام المالي العالمي وهددت منظومة الموروثات والأنا الأعلى في سياق هيمنة أدوات العولمة الثقافية على أدوات الثقافات المحلية .
حتى بات العالم تحت امرة شركات العولمة العملاقة ممثلة بأكبر سبعة اقتصاديات لها ملامح أطلق عليها "الدول السبعة الكبرى"، فيما يقف على الطرف الآخر دول "مجموعة بريكس" التي ترفض هذا الواقع بوصفه نظام هيمنة وتفرد في قيادة ما يسمى بالعالم الجديد، ملوّحة باتخاذ اجراءات في الثاني والعشرين من آب الحالي في اجتماع "جوهانسبيرغ" المرتقب ، ملوحة باصدار عملة موحدة تنافس "الدولار الأمريكي" للحد من دولرة الاقتصاد العالمي، والحد من ظاهرة استخدام الدولار في معاقبة بعض الدول بحسب المواقف في الاحداث السياسية، فيما تؤكد مصادر عديدة أن نحو 22 دولة ومنها دول نفطية مثل "السعودية ، الامارات ، الكويت، الجزائر ، فنزويلا، ايران" قد تقدمت بطلبات انضمام لهذه المجموعة، ما يجعل بريكس وهي تشكل نحو 40 بالمئة من مساحة العالم بعضوية الدول الخمسة وهي"الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا"، مرشحة لتشمل مساحة أوسع من الأرض وعدد أكبر من السكان وارادة أكبر في أسواق الطاقة. واذا ما تم اعتماد سلات العملات المحلية للدول الأعضاء في التبادلات والتداولات في حال عدم اصدار عملة موحدة ، فان العالم سيشهد بداية لتعدد الأقطاب والارادات الدولية التي ستعيد التوازن لهذا العالم ، وسيفقد النظام المالي الذي تقوده الدول السبع هيمنته على منظومة التبادلات والتعاملات في العالم، وستتغير خارطة التجارة العالمية وستنحسر تأثيرات أدوات العولمة الثقافية والاقتصادية شيئا فشيئا، سائلين الله أن لا نشهد حربا كونية.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha