علاء فاضل ||
الغرب الذي لا يشبع من ثروات البلدان الفقيرة والذي لم يكترث لفقرها، الغرب الذي لا يهمه سوى رفاه شعوبه حتى ولو كان ذلك على حساب المجاعات التي تفتك بالشعوب الفقيرة، ففرنسا التي لم تتخل عن مستعمراتها وكأن التاريخ متوقف عند زمن استعمارها لبلدان افريقيا وامتصاص خيراتها، فاليورانيم النيجيري الذي يغذي اكثر من (103) مفاعل نووي لتوليد الطاقة في اوربا لم يكن للنيجر منها الا مفاعل صغير يتيم لا ينتج من الطاقة الا ما يسد حاجة مدينة واحدة من مدنها.
افريقيا اليوم على ما يبدو تشهد عصر الثورات الحقيقية التي تسعى لتغيير الأوضاع بغية استعادة حقها في امتلاك بلدانها وثرواتها لتحقيق نهضة تنموية لالقاء تحية الوداع على الفقر والمجاعة، وقد ادركت بان الخطوة الحتمية الأولى هي بمغادرة ثقافة الطاعة لمن يرى نفسه من جنس متفوق على جنسها.
جرت الانتخابات في النيجر وقد فاز فيها من أعدته فرنسا لادارة البلاد وفقا لمقاساتها، وقد رفع ماكرون كاس الخمر دون ان تطرف عينه لما تريقه المجاعة من دماء النيجيريين، لكن ما حصل في بوركينا فاسو من ثورة كان قد فتح شهية النيجيريين للثورة ايضا وتغيير الأوضاع لما ينذر ببداية عصر جديد ليس لفرنسا فيه سطوة عليهم، فرنسا ومن خلفها الغرب الاستعماري تأبى ان تغادر ممارسة استعباد الافارقة، فهي ان تخلت عن الاستعباد المباشر للإنسان الافريقي فهي لم تتخل يوما عن ابتكار طرق للاستعباد ومنها ان تستحوذ على ما تزخر به ارض افريقيا من ثروات وهي تؤمن بما قاله ترامب من ان (الله اخطأ في جعل الثروات تحت اقدام من لا يستحقها) وحاشا لله تعالى ان يظلم عباده لكن الظلم من طبائع المستكبرين.
صار للصين مصالح كبرى في افريقيا ويهمها استتباب الامن فيها بشرط ان تدار من قبل أنظمة مستقلة لا تساعد الغرب في تكريس عبوديتها او تبعيتها له، ليتسنى لها عقد تحالفاتها الاقتصادية التي جعلت منها قطبية ستكون الأولى في وقت ليس ببعيد، كما ان لروسيا الطموح الكبير لاستعادة مكانتها القائدة، هذا من جانب ومن جانب اخر فهي تريد ان تلاعب اوربا (مبتدأة) بفرنسا التي دعمت وتدعم أوكرانيا، فاختارت ميادينها لتشهد مباريات الختام لاسدال الستار على القطبية الواحدة والدائرين في فلكها، واتضح ان ارسالها لقوات فاغنر كان لتهئ الأجواء لقيام ثورات تخرج عدد من الدول الافريقية من المظلة الامريكية، فهاهو عبد الرحمن تياني يجهز على النظام التابع لفرنسا في النيجر يؤازره في ذلك إبراهيم تراوري الذي قاد ثورة بوركينا فاسو، الرئيس (المؤقت) الحالي الذي حجز تذكرته ليكون (الدائم) والذي استقبله شعبه استقبال الفاتحين بعد حضوره مؤتمر موسكو والذي عبر خلاله عن اتجاه افريقيا الجديد لاسقاط الأنظمة الخانعة لاوربا وامريكا حتى ان رمزيته عبرت بوركينا فاسو لتصبح رمزية افريقية طامحة لاخراج افريقيا من مستنقع الاستعمار.
روسيا التي تفصلها مئات الكيلومترات عن الاحداث لم تكن غائبة عنها بل كانت اقرب مما تصوره الغرب وأمريكا، بل اكثر من ذلك انها هي التي ساعدت في التخطيط لانجاز عمليات التحول هذه ولم تبق من عزاء للدول الخاسرة الا ما تعبر فيه عن غضبها في تهديد هنا او تهديد هناك، فالارض لمن يفرض نفسه عليها لذا فان روسيا اعلنت عن استعدادها لحماية الثورات والأنظمة المتمخضة عنها، مما يشجع هذه الأنظمة للبقاء صامدة بوجه التهديدات ولتشجيع شعوب أخرى لتحذو حذوها، لذلك راينا النيجر تتخذ القرار الممنوع اتخاذه اوربيا وهو منع تصدير اليورانيوم الى فرنسا حتى باتت هي وعدد من بلدان اوربا مهددة بالعتمة والظلام اما بوركينا فاسو فقد التفتت الى ضرورة صناعة تحالف عملي يجمعها مع أنظمة وبلدان المنطقة ذات الميول الثورية او المتحالفة مع روسيا مثل مالي فصارت الدولتان اللتان تحتضنان النيجر حدوديا ثلاث دول بحزام امني واحد حين اعلنت الدولتان ان الاعتداء على النيجر يعني اعتداءا عليهما ومن خلفهما روسيا كظهير قوي يمكن الاستناد اليه.
ما جرى في النيجر وبوركينا فاسو حدث واعد يمكن له ان ينشر عدواه الى باقي دول القارة السمراء، لكن المهم في الموضوع هو ان هذه الاحداث التي من شانها ان تعيد رسم خارطة النفوذ في العالم ما هي الا علامة او إشارة من إشارات ذهاب آمال القطبية الواحدة الى ادراج الرياح وها هي سفينة تعدد القطبية تشق عباب البحر.
العالم يتغير بطريقة دراماتيكية ولم تعد أدوات اللعب القديمة قادرة على التفاعل معها او ثني نتائج مجرياتها، والحكيم من يختار الاصطفافات الصحيحة التي تستجيب
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha