سعيد البدري ||
في شأن الاعتقاد و المعرفة يرى غوستاف لوبون ان " الألم واللذة تظهر في الإنسان منذ ان تدب فيه الحياة ، وشعوره بوجوده يظهر بقوة الحياة لا الحسّ " ويعارض بشدة وبمنطق المدرك ما ذهب اليه ديكارت معترضا ومفترضا الاجابة الاصوب " لو انه قال "أنا أشعر ، اذن فأنا موجود بدل ، قوله أنا أفكر ولذلك أنا موجود، لكان قوله ذلك أقرب إلى الحقيقة " ويبدو ذلك منطقيا اكثر فالشعور بحسب تعريفات الفلاسفة وعلماء النفس ، هو تمثيل للحالة الداخلية للإنسان، و هو ايضا حالات من الكراهية والبهجة لدى الإنسان كما يقول الالماني كانت ،أما المشاعر فهي تجربة واعية يميزها النشاط العقلي الشديد، وبدرجة معينة من المعاناة أو المتعة،وغالبا ما تتشابك الحالة النفسية مع العاطفة والشخصية والتوجه والمزاج في بعض النظريات، لذلك فنحن امام مفهوم متسع المعاني ينبغي ادراكه وفهمه ولا يوجب القدرة على التحكم به ،لان ذلك ان تحقق فلن يدوم طويلا و تحققه بصورة دائمة يعني التجرد من فعل انساني فطري ونزعات داخلية وافكار تخالف هذه الفطرة وكل ما هو متغلغل في نفس الانسان السوي بقوة هذه الهبة الربانية التي ندعوها الحياة .
في الحقيقة ان هذا الغوص العميق واستنطاق مدركات الانسان جميل بذاته ،ويعكس حالة واعية جعلت من هولاء القوم صناعا حاذقين ذوي مستوى رفيع يقود للمعرفة ، ولا يمكن سوى الاعجاب بهم ونقاش ارائهم ،وان اختلفت رؤيتنا تجاه بعض هذه الاراء ،فالجواب الأهم الذي ينبغي اطلاقه يقول ان لا انسان على وجه البسيطة يدعي الكمال ، فالانسان مركب من نقص و ميله لتفسير الظواهر والبحث عن اجابات ،كما هو سعيه الدائم للفهم والاستيضاح ،يقوده لأستكمال النقص المعرفي والانطلاق باتجاهات تضعه في المقدمة دوما ،وحتى بعض قناعاته الوقتية التي تنضج خلال مسيرته في طريق الحياة ستزول وتضعف وتحل محلها قناعات اخرى تسهم بتغيير وعيه ومعرفته كما انها تؤكد نقصه وحاجته ورغبته في اشباع غريزة حب المعرفة لديه .
بعد كل ذلك كيف لكائن يتذوق الجمال وتستميله كلمة حانية ربما ،ان يستسلم امام قبح من يريدون سوقه لمساحات الفوضى والانهيار القيمي ،ويبتعدون به عن الغاية من وجوده برميه في اتون نفايات الشذوذ والدعوات العلنية السائدة لتبنيه اليوم ،وموافقة موجة الانحدار المخالفة لفطرة بني البشر او التماهي مع هذه الدعوات تحت عناوين ومسميات تفوح منها رائحة القذارة والتعفن .
ان من يحترمون هذا الكيان المكرم عليهم ان ينسجموا اولا وقبل كل شيء ، مع ذاك الجمال المطلق الذي ابدعه الخالق والهمه الانسان ،المأمور بأعمار الارض ومواجهة الفساد والافساد والداعين اليه ، فالجمال مرتبط بالأخلاق الفاضلة والقيم السامية الحقة ،وهو من يقوم بترتيب الأوضاع على النحو المطلوب والنسق الأمثل والمعيار الصائب، فالجمال لا يشمل الطبيعة فقط بل يوجد في كل شيء من خلق الله سبحانه ،الذي ابدع ومنح جميع مخلوقاته القدرة على التكيف مع نظام محكم وعجيب في الدقة اللامتناهية الفريدة، فلم تكتمل العلوم والمعارف التي تجنى ثمارها الا بتتويجها بالحسن البديع، وهو أروع ما في المثالية وأجمل مافي الواقعية ،ولا يتعارض الا مع الشر والعدمية الموصوفة بالعبث ،كما ان ادراك المعاني الدقيقة التي تحقق هذه الغاية يعني الشعور به، لأنه يمثل المصداق لوجوبية هذا الوجـود .
و اما القبح فهو ضد الحسن وكل ما يكون متعلق الذم في صورته وهيئته وحقيقته، و هو مما يستوجب العقاب في الآجل ، ولأن السوء مشتق من القباحة فكل سيء قبيح حتى وان حاول اهله تزيينه لأيهام العوام ومخادعة ذوي البصيرة ،وهو ما يلجأون اليه عادة لتمرير حيلهم ومدعياتهم ،للالتفاف على المعيار الحق الذي يفصل ويرجح كفة ما يفترض وينبغي ان يسود ، وفي هذا السياق نجد مبررات اولئك الاشرار لأقناع الجمهور بما يدعون اليه ،تذهب لتسويق الادعاء القائل بأن الشذوذ ناتج عن جينات يولد بها الانسان، وعلى افتراض وجودها فعلا فإنه من غير المنطقي أن يتم التبرير لانحراف سلوكي خطير بمجرد وجود جينات مسؤولة عن ذلك، لأنه وفقا لهذا القياس يمكننا استخدام التبرير نفسه لارتكاب جرائم أخرى كثيرة ،تجعل من الوجود وفلسفته وعلة خلق الانسان بكل هذا العبث ،مما يستوجب تبرئة الجين واخراجه من دائرة الانحراف الداعية للفجور والمشجعة على ارتكاب المأثم والمحارم ،وذلك منتهى الحديث وغايته .
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha