الدكتور محسن القزويني
الحلقة الأولى:
يتعرض العالم الإسلامي بصورة عامة والعراق بصورة خاصة الى عاصفة هوجاء قادمة من قلب اوربا بعد أن حولت المجتمعات الاوربية الى اعجاز نخل خاوية تنتشر فيها المثلية والتحول الجنسي والتي يعود سببها الى الحرية الجنسية التي انتشرت في اكثر دول اوربا كأنتشار النار في مهب الريح والتي ستفضي حتماً الى نهاية الحضارة الغربية إن ظلت على هذا المسار حتى النهاية.
وكان لهذا المسار بداية انطلقت من كتابات جون بول ساتر وسيمون دي بفوار والبيركامو التي أثرت تأثيراً كبيراً في قطاعات واسعة مِن الشباب والحركات الشبابية والنسائية وأنعكس ذلك في إداء الدول ومؤسسات المجتمع وتحولت الى قوانين وإجراءات وشعارات تنادي بحقوق الانسان بصورة عامة وحقوق المرأة بصورة خاصة.
اليوم نشاهد نهايات المسار الذي انطلق بعد الحرب العالمية الثانية مع حملة معاداة الأديان والقيم والأخلاق تقودها جهات علمانية تدعو الى فصل الدين عن السياسة آخذة بالمذهب الوجودي الذي جاء به الفيلسوف الدنيماركي سورين كيركيجارد (1813-1855) والذي تبلور في كتاب الوجود والعدم لجون بول سارتر وفيه ركز على حرية الانسان المطلقة (يعيش ويفعل) ما يحلو له وانه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج الى موجِّه.
يقول سارتر: إن وجود الانسان هو الأصل وليس قبل وجوده الاّ العدم، وهو أقرار بالإلحاد وان سعادة الانسان لاتتحقق الاّ بتحقيق حريته المطلقة بلا قيود.
واليوم نرى ما يحدث في اوربا ما هو الا صدى لهذه الأفكار التي عصفت بالمجتمع الأوربي والذي اصبح كما هو اليوم بحيث يستطيع شخص ما ان يحرق القرآن تحت عنوان الحرية الشخصية بينما مجرد التعدي على عَلَم المثليين يعتبر جرماً يُحاسب عليه الشخص المعتدي تحت عنوان نشر الكراهية.
هذه النهاية التي نشهدها اليوم لظاهرة الجندر يُراد تطبيقها في العالم الإسلامي بصورة عامة والعراق بصورة خاصة . فطالما كانت العاصفة في بداياتها كان لابد من ايقافها ومنعها من التمدد والانتشار في بلادنا الإسلامية وذلك بأخذ الاحتياطات الكاملة واتخاذ بعض الإجراءات الضرورية ومن أهم هذه الإجراءات هو نشر الوعي والكشف عن ماهية الجندر وما يرافق ذلك من فعاليات لتمكين المرأة وحماية النوع الاجتماعي التي بدأت تطبيقاتها في العراق والعالم الإسلامي في غياب المعلومات الكافية عما يُراد ويُخطط تحت هذه المسميات البراقة فكان لابد لنا أن نبدأ بالجذور الفكرية لهذه الموجة العاتية.
الوجودية:
تعني الوجودية إعطاء القيمة للفرد وانه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار وإنه يسير بخطى نحو توكيد وجوده مِن خلال اختياراته الذاتية بدون وجود الموجّه مِن دين أو قيم أو ما شابه ذلك.
تأسس المذهب الوجودي على أيدي اثنين مِن فلاسفة القرن التاسع عشر هما :
أولاً : الفيلسوف الدنيماركي سورين كيركيجارد.
ثانياً: الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه.
وجاءت أفكارهما في الأساس كرد فعل لسيطرة الكنيسة على الحياة السياسية والاجتماعية وهذا ما يظهر مِن كتاب (رهبة واضطراب) لكيركيجارد.
وبعد الآباء المؤسسِين جاء عدد مِن المفكرين والادباء الذين حاولوا أن يترجموا أفكارهم مِن خلال كتاباتهم ورواياتهم نذكر منهم:
1- جون بول سارتر في كتابه (الوجود والعدم)
2- القس جبريل مارسيل الذي حاول أن يطعّم آراءه بأفكار مِن المسيحية.
3- الفيلسوف الألماني كارل ياسبرز.
4- المفكر الفرنسي بسكال بليز.
5- سيمون دي بفوار الكاتبة الفرنسية في كتابها الجنس الآخر.
6- الباحث النيوزلندي جون ماني.
7- وسنركز في بحثنا على ثلاثة ممن ذكرناهم وهم جون بول ساتر وسيمون دي بفوار وجون ماني لتأثيرهم على الفكر الأوربي المعاصر :
أولاً: جون بول سارتر Jean-Paul Sartr (1905-1980) هو فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي وناقد ادبي انخرط في صفوف المقاومة أثناء الاحتلال النازي لفرنسا له نتاجات فلسفية وادبية أهمها الوجود والعدم 1943 والوجودية مذهب انساني 1945.
بشر بمذهبه الوجودي منذ عام 1945 مِن خلال المجلة التي أنشأها تحت اسم Les Temps Modemes وشاركته في الكتابة رفيقة دربه سيمون دي بوفوار وشرح نظريته في كتابه (الوجودية مذهب انساني) فعرض في هذا الكتاب فكرة الوجودية وهي: أن الانسان لا يستطيع رفض الحرية لانها تصنع مستقبله، وَوَضع معادلة (كل فعل حر هو مشروع)، وقد نادى في كتاباته ومحاضراته بحاجة الانسان الى الحرية الكاملة بالإضافة الى المسؤولية الكاملة، مسؤولية امام نفسه وامام الآخرين، فراقت الفكرة عند الشباب الفرنسي، دافع عن الحركات التحررية في العالم، وبالرغم مِن تعاطفه مع الشعب الفلسطيني الاّ انه أقر بشرعية إسرائيل وفي عام 1976 تم تكريمه من قبل جامعة اورشليم العبرية بمنحه شهادة الدكتوراه الفخرية.
وظلّ على أهتمامه باليهودية مدافعاً عن اليهود . وهذا ما تم نشره في الموقع الإلحاديtheintidels.orgo حيث كشف الموقع في عام 1980 وقبل حوالي شهر من وفاته قوله في احدى المقابلات التي اجراها معه احد أعوانه كشف سارتر عن اهتمامه باليهودية الميسائية. وأضاف الموقع أن سارتر كان مهتماً فقط بالجانب الميتافيزيقي لليهودية، لكنه استمر يرفض فكرة وجود الله( )، وقيل انه آمن بوجود الخالق قبل موته.
ثانياً: سيمون دي بوفوار (1908-1986) كاتبة ومفكرة فرنسية وفيلسوفة وجودية وناشطة سياسية.
ولدت سيمون دي بوفوار في باريس حصلت على عدة شهادات في الفلسفة العامة، تاريخ الفلسفة اليونانية 1927 شهادات في الاخلاق وعلم النفس والاجتماع 1928 وهي تعد المرأة التاسعة التي حصلت على إجازة من السوربون.
اشتركت مع جون بول سارتر في انشاء المجلة التي طرحت فيها أفكار الوجودية.
اشتغلت في بداية أمرها في التدريس لكنها مُنعت من العمل في المدرسة بعد ورود عدة شكاوى مِن قبل والدي أحدى طالباتها فصدر بحقها قرار انهاء خدماتها في التعليم سنة 1943.
أهم نتاجاتها كتاب الجنس الثاني The Second Sex وذلك في عام 1949 وفيه خلاصة افكارها عن المرأة وعن الرجل الذي اعتبرته الخصم اللدود للمرأة، قالت في كتابها : إن الأمومة خرافة ولا يوجد هناك غريزة الأمومة وإنما ثقافة المجتمع هي التي تصنع هذه الغريزة.
من مقولاتها الشهيرة: الرجل يعتبر جسده كائناً مستقلاً يتصل مع العالم اتصالاً حراً خاضعاً لارادته هو، بينما يعتبر جسد المرأة حافلاً بقيود تعرقل حركة صاحبته، ألم يقل أفلاطون: (الانثى هي انثى بسبب نقص بالصفات الإنسانية)و في عُرف الرجل انه شيءٌ مذكرَّ، فهو يمثل الجنس الإنساني، أما المرأة فهي الجنس الآخر.
وعلى رغم رغبة سيمون في بداية حياتها نحو الرهبنة والعمل في الكنيسة إلا ان موقفها من الدين قد تبدَّل فهي ترى أن الرجل يستغل الدين لقهر المرأة تقول في ذلك:
لتبرير نقص المرأة لم يتجه كارهو النساء للدين فقط كما في السابق، بل حاولوا استغلال العلم كذلك.
وعن الرجل تقول: حتى اتفه الرجال وأكثرهم ضئالة يرون انفسهم اشباه آلهة أمام أية امرأة.
وعلى أيدي سيمون تحولت أفكار الوجودية الى ميدان العمل مِن خلال مشاركتها في الحركة النسوية الداعية الى تحرير المرأة مِن قيود الرجل والى المساواة بينها وبين الرجال تلك الحركة التي تحولت الى تيار وموجة عارمة أخذت بها الأمم المتحدة والحركات النسوية العالمية ومنظمات المجتمع المدني.
ثالثاً: جون ماني John Money (1941-2006) هو عالم النفس النيوزلندي المولد عاش في الولايات المتحدة في توسون في ولاية ميرلاند.
أعلن ماني عن نظريته عام 1955 عندما قال بأن البشر يولدون محايدين جنسياً وأن التربية هي التي تحدد السلوك للجنسين ذكراً كان أو انثى وهو أول من أعلن عن مصطلح (Gender) جندر للدلالة على الهوية الجنسية وأعطى هذا المصطلح طابعاً اجتماعياً.
باعتقاد ماني أن الطفل يولد مِن دون الجنس فيمكن تعديل جنسه بحسب البيئة الاجتماعية التي تحيط به، وتعامل الاهل والمجتمع معه. واعتبر الجهاز البيولوجي للفرد ما هو الاّ تشريح للجهاز التناسلي ولا علاقة له بخصائصه الجنسية، لذا قد لايتماشى الجنس البيولوجي عند الولادة مع ما لديه من خصائص جندرية.
وفي عام 1966 قام بتجربة حية وذلك بتبني توأمين هما بروس ريمر وبريان وهما من كندا وكانت لديهما مشكلة في التبول في عمر ستة اشهر ، فتم اجراء عملية ختان لبروس بطريقة الكي مما أدى الى حرق عضوه التناسلي واستطاع ماني أن يقنع والد بروس بأن يحِّول ولده الى انثى باجراء عمليات جراحية، وهكذا تم تحويل بروس مِن ذكر الى انثى، وكان هدف ماني مِن هذه التجربة التأكيد على نظريته في الجندرة، لكن جاءت النتائج معكوسة تماماً لتدحض نظريته في الجندر، فعلى رغم الإجراءات الكاملة التي أجريت على بروس مِن العمليات الجراحية واعطائه الهورمونات الأنثوية وتغيير اسمه الى بريندا الا ان بروس رفض تماماً أن يكون انثى فكان يرفض وهو صغير ارتداء ملابس الفتيات ويرفض معاملة والديه على انه انثى وكان يتصرف كونه ذكر فيختلط مع الذكور ويرفض مصاحبة الاناث بل أكثر من ذلك انتابته حالات عصبية نتيجة تعامل الأهل معه على أنه انثى فحطم الدمى والأدوات التي تستخدم للإناث كالمكياج. ولاتمام التجربة كان ماني يجمع بين الاخوين ويطلب منهما خلع ملابسهما حتى يتعرف كل واحد على جنس الآخر مِن خلال مشاهدة الأعضاء التناسلية.
راغباً في استخدام التمثيل الجنسي كأحد العوامل المساعدة في تطوير الهوية الجنسية للفرد قبل البلوغ. ومع بلوغ بروس سن ثلاثة عشر سنة أُصيب بالإكتئاب واَخبر والده بأنه سيقدم على الانتحار لو أُجبر على لقاء جون ماني مرة أخرى وفي سن الرابعة عشر عاد بروس الى هويته الذكرية فتلقى حقن التوستيرون واجرى عملية جراحية لإزالة ثدييه وأجرى العمليات الجراحية لاعادة جهازه التناسلي الى حالته الأصلية وفي سنة 1990 تزوج من جين فونتان وعاشا
حياةً زوجية داحضاً بذلك نظريته في الجندر. وهكذا فشل ماني في تجربته التي أراد منها التأكيد على أن التربية والمجتمع هما اللذان يصنعان الجندر . وبالرغم من هذا الفشل لهذهِ النظرية الا ان الأمم المتحدة أخذت بها وحاولت تعميمها على شعوب الكرة الأرضية من خلال منظماتها العديدة والمؤتمرات التي تقيمها هنا وهناك.
يتبع في الحلقة الثانية
https://telegram.me/buratha