كوثر العزاوي ||
الليل يمضي مدبِرًا بهدوء وصمت، والصبح يُسفِر بإشراقة واستعداد لنهارٍ ينطوي على سلسلة حكايا وأحداث متنوعة، ومع إشراقة كل يوم جديد يتجدد الأمل، وتَتجدّد معه العزائم وتولَد هِمَمٌ نابضة، تعاهِد تارة وتجود تارة اخرى، رغم المآسي التي تكتنف الأرواح من كل صوب! فتنبري راضية تسيح في الارض كادحة لأجل هدفٍ أسمى"لا الشمس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" سبحان الله الذي خلقنا وخلق هذا الكون لنرى كثير من المحطات في حياة الإنسان بألوان وأشكال، منها سريعة الأفول ولاعودة فيها، فيما تستَجدّ اخرى فتفتح لها مصاريع اهتمامك واحترامك ولاتدري مدى دوامها وثمارها إنما علمها عند ربي في كتاب، كأنها سُنّة الحياة تتحدث اليك عن حوادث ومواقف ووقائع، لتعرفَ بعد ذلك، إنما هي في الواقع محض تجاربك وعصارة خبرتك،
إذ أنها العامل الأهم في صقل شخصيتك وعونك على حل الصعاب والخروج من الأزمات، وهي التي تخلق الحكمة وتبث الحياة فيما أجدَبَ منك، وغالبًا ما تترك التجارب آثارها على الإنسان سلبًا وإيجابًا، غير أنّ الشخص القويّ هو من يتعلم الدرس ويحوّل الفشل والألم إلى نقطة وصول للهدف والنجاح! أما الإنسان المحبَط المتشائم سيراها سلسلة من محاولات فاشلة لا فائدة منها، فيبقى رهين تشاؤمهِ حتى يستيقظ على ركام هواجسه ململمًا بقايا عُمُرٍ لم يُتقِن استثماره، بينما يفرُّ العمر كالحلم و لا يستطيع الإمساك به!! وتلك سِمةُ السنين أنها تصنع الذكريات وترسّخ الأفكار في العقول، وتؤصّل الخواطر في الوجدان، وإنَّ عيبَ الذكريات أنها لا تعيد السنين لتعود مع أسماها لتشمّ عبيرها، ولاتجد أجملها عندما تحتاج إليها!! وسرعان ما تتوارى فتختفي وتغيب، بيدَ أنها لاتمحى من ذاكرة التاريخ، بل تعلمنا درسًا بليغًا يبقى صداها ناصحًا بلسان الرفق قائلًا: لا تقف على ذكريات الماضي لتعيشها كل يوم، بل احتفظ بها لتَتّخذْ منها مسارًا لبوصلةِ حركتك في تصحيح الآتي مستقبَلًا، واجعل منها مصدرَ قوة لضعفكَ وعند تعثّرك، فتصبح أقوى مما كنتَ عليه في الماضي!
وهذا هو ما يجعل الملكومَ يقظًا بعد المعافاة، بصيرًا في إعادة ترتيب محطاته القادمة، فيغرس قدَمَهُ في أرض صالحة لاتغادر رِيعها ولاتتنكّر لثمارها، وإنَّ شأن الله "عزوجل" لا يضعُ ثمارًا على غصنٍ ضعيفٍ لا يقدر على حَملِها، {لَايُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} فضلًا عن كل ذلك بل الأروع، حينما يتحسس الإنسان حقيقة وجوده في الحياة، يجدها موقوفة لأجل هدف أرقى يتمخض عنه يَقينًا، بأن في الحَياة وجه آخَر يَستَحق كُلّ هذا الجُهد والثَّبات والصبر والتفاني، فإن ذُبلَت معه الأرواح في خريف انتظاره، لكنها ستُزهِر لامحالة من جديدٍ في ربيع ظهوره!! وإلى ذلك اليوم يهون كل صعب ويَسهَلُ كل عسير، وإلى الله المصير!
٥-محرم- ١٤٤٥هج
٢٤-تموز-٢٠٢٣م
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha