الشيخ الدكتور محمد علي الدليمي ||
يكاد يجمع العلماء من الخاصة والعامة ان خروجُ الإمامِ (عليهِ السلام) في واقعِه تنفيداً للأمرِ الإلهيّ، والتكليفِ الربّانيّ؛ إذ عهدَ اللهُ تعالى إلى سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام) عن طريقِ النبيّ الأكرمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بتنفيذِ مشروعٍ ينتهي باستشهادِه واستشهادِ مَن معَه، وذلكَ لمصالحَ عُظمى تناسبُ حجمَ التضحيةِ وأهميّتِها، وقد نجحَ الإمامُ (عليهِ السلام) ـ بما يمتلكُ مِن مؤهّلاتٍ ذاتيّةٍ وشخصيّة ـ في تنفيذِ مشروعِه، وحقّقَ ما أراد، وتكلّلَ سعيهُ بالنجاحِ والفلاح، وكانَت عاقبتُه الفتح، كما هوَ واضح.
ولا يمكنُ اعتبارُ كونِ السّببِ الحقيقيّ لخروجِه (عليهِ السلام) هوَ بيعةُ الناسِ وإرسالُ الكتبِ إليه، فإنَّ واقعةَ الطفِّ ـ بما ترتّبَت عليها مِن نتائجَ وثمراتٍ كثيرة، وأعظمُها حفظُ الدينِ وإيضاحُ معالمِه ـ لم تكُن نتيجةَ خطأ في تحليلِ الأحداث ـ والعياذُ بالله ـ، فقد توهّمَ العامّةُ العمياءُ أنَّ التخطيطَ لواقعةِ الطفِّ كانَ بشريّاً، وأنّ الإمامَ (عليهِ السلام) قد خطّطَ وفقَ قناعاتِه وحساباتِه الماديّة، مِن أجلِ الاستيلاءِ على السلطة، وأنّهُ اغترَّ برسائلِ أهلِ الكوفةِ أو انخدعَ بنصيحةِ ابنِ الزبير له بالخروجِ ليخلو له الحِجاز، فأدّى ذلكَ لاستشهادِه واستشهادِ مَن معه، ثمّ ترتّبَ على ذلكَ حفظُ الدين وإعلاءُ كلمةِ التوحيد.
فإنَّ هذا الكلامَ خطأٌ واضحٌ فاضح، فإنَّ الإمامَ (عليهِ السلام) كانَ يُبرّرُ خروجَه ظاهريّاً بدعوةِ أهلِ الكوفة وبيعتِهم له وكثرةِ كتبِهم إليه، بينَما كانَ خروجُه حقيقةً لتنفيذِ مشروعٍ إلهيّ لحفظِ الدين؛ لأنَّ عامّةَ الناسِ لا يستوعبونَ أنَّ هدفَه (عليهِ السلام) منَ الخروجِ هوَ الإعلانُ عن عدمِ شرعيّةِ السلطةِ وإيقاظِ الأمّةِ مِن سُباتها، فكانَ الأمرُ يحتاجُ لإحداثِ زلزالٍ في العالمِ الإسلاميّ حتّى تستيقظَ الأمّةُ وتلتفتَ إلى ما تصنعُه السلطةُ الغاصبةُ وإلى ما وصلَ إليهِ حالُهم. فالإمامُ (عليهِ السلام) في الحقيقةِ خرجَ لتنفيذِ مشروعٍ إلهيّ لحفظِ الدين، وبرّرَ خروجَه ظاهريّاً بأنّه استجابَ لرسائلِ أهلِ الكوفة وبيعتِهم له، ومِن ثَمَّ كانَت حُجّتُه على جيشِ عُمر بنِ سعد آكدَ وأشد؛ إذ إنّهم ـ معَ خروجِهم على إمامِ زمانِهم الحقيقيّ ـ قد بايعوهُ ثمَّ خذلوه.
والإمامُ الحُسين (عليهِ السلام) عندَنا معصومٌ مُطهّر، ولا يعقلُ في حقّه أن يتصرّفَ في مثلِ هذا الحدثِ الإعجازيّ دونَ إيعازٍ إلهيّ، معَ أنّه وردَت عندَنا أحاديثُ تبيّنُ أنَّ خروجَ سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام) كانَ بتكليفٍ إلهيّ خاص، مِن ذلك: ما رواهُ الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص280] عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: « إنَّ اللهَ عزَّ وجلّ أنزلَ على نبيّه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) كتاباً قبلَ وفاتِه، فقالَ: يا مُحمّد، هذهِ وصيّتُك إلى النَجَبَةِ مِن أهلِك... فدفعَهُ النبيُّ (صلّى اللهُ عليه وآله) إلى أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، وأمرَه أن يفكَّ خاتماً منه ويعملَ بما فيه، ففكَّ أميرُ المؤمنين (عليهِ السلام) خاتماً وعملَ بما فيه، ثمّ دفعَهُ إلى ابنِه الحسن (عليهِ السلام)، ففكَّ خاتماً منهُ وعملَ بما فيه، ثمَّ دفعَه إلى الحُسين (عليهِ السلام) ففكَّ خاتماً فوجدَ فيه: أن اخرُج بقومٍ إلى الشهادة، فلا شهادةَ لهم إلّا معَك، واشترِ نفسَك للهِ عزّ وجلّ، ففعلَ... ». فهذهِ الروايةُ وغيرُها واضحةُ الدلالةِ على أنَّ ما جرى لسيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام)، وكذا ما جرى لغيرِه منَ الأئمّةِ الطاهرين (عليهم السلام) إنّما هوَ تكليفٌ إلهيّ خاصّ لتنفيذِ مشاريعَ ترفعُ رايةَ الدينِ والإسلام.
إنَّ السّببَ الحقيقيَّ لخروجِ سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام) نحوَ العراقِ هوَ مِن أجلِ حفظِ الدين، وصيانةِ الملّة، وتنبيهِ الأمّة، وإيقاظِها مِن سُباتِها، خرجَ مِن أجلِ إحقاقِ الحقّ وإزهاقِ الباطل، خرجَ لإرجاعِ الأمّةِ إلى مسارِها الصّحيحِ بعدَ أن انحرفَت بسببِ السّلطةِ الحاكمة.
فالإمامُ الحسين (عليهِ السلام) كانَ عالماً بما جرى وبما يجري، وخروجُه ما كانَ إلّا لتنفيذِ مشروعٍ إلهيّ، وأمّا دعوةُ العراقيّينَ له وإرسالُهم الرّسائلَ فهيَ لتبريرِ خروجِه عندَ عامّةِ الناس، وليسَت هيَ السّببَ الحقيقي.
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيًا..
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha