المقالات

إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ..وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا


 

حليمة الساعدي||

 

في ايامنا هذه وجدت في هذا بيت الشعري المنسوب للشاعر المتنبي مصداقا للواقع الذي نعيشه .

ربما تسارعُ الاحداث والتطور الملفت في تكنلوجيا المعلومات والفضاء الاثيري قربت البعيد وسهلت الصعب وجعلت العالم كله بين يديك مما اثر على سلوكيات البشر واخلاقياتهم وثقافاتهم وعقائدهم، و هذا الامر سهل لجيوش الشيطان من التعايش مع البشر واختراقهم ومكنته من قلوب اغلبهم مما جعل الفساد يطال جميع مفاصل الحياة، وأفقد الناس الثقة ببعضها البعض.

اذكر مجموعة احداث واقعية حقيقية حدثت معي ولم ينقلها احد لي بل عشتها ولمستها وأحزنتني. لم احزن على نفسي بل على من اكرمتهم ومددت لهم يد العون والمساعدة.

في عام ١٩٨٩ كنت اعمل في احدى الوزارات ولي حضور حميد فيها بتوفيق من الله القدير، في ذلك الحين كانت لي صديقة اسمها نوال زارتني بقصد ان اسعى لها بتعيين في ذات الوزارة فتحمست ووعدتها ان لن ادخر جهدا وسوف اعمل المستحيل من اجل تحقيق رغبتها وفعلا اتفقنا على موعد وجائتني ومعها اوراقها الرسمية وشهادة تخرجها توجهنا للوزارة وبعد سلسلة مراجعات تم تعيينها رغم انها كانت ممنوعة من التعيين بسبب احد القرارات الجائرة من حكومة النظام البعثي الجائر فقد كانت من التبعية الايرانية كما يحلوا لنظام البعث المقبور تسميتهم، وطبعا هذا العنوان في ذلك الحين يتهرب منه القريب قبل الغريب ولا احد يعرض نفسه للخطر من اجل اي شخص يحمل هذه الصفة مهما بلغت اهميته ومعزته، لكني جازفت وحاربت من اجلها وفاءً للصداقة والاخوة التي ربطتني بها مذ كنا طالبات في الثالث متوسط، ولأن نيتي صادقة وفقني الله لتعيينها وكم اسعدتني رؤية الدموع وهي تتطافر من آماقها فرحا وبهجة وسرور .

واصبحت نوال موظفة حكومية. ولكن.. حالما تحقق لها ذلك قطعت كل تواصلها معي وصرت اتفقدها وهي تخبئ نفسها عمداً عني، ولم اكن افهم السبب لكن يبدو ان السبب الوحيد هو لانها كلما راتني تذكرت احساني اليها وصدق من قال اتقي شرَّ من احسنت اليه. لانها ناكرة للجميل كانت تشعر بالصَغَار امامي من وجهة تفكيرها طبعاً ولأنني كنت سببا لتعيينها كان هذا الشعور يرهقها ويزعجها فقررت ان تقطع صلتها بي وتنهي رحلة الاخوة والصداقة التي دامت اكثر من تسع سنوات وحملت اجمل الذكريات، ذكريات المدرسة المتوسطة والاعدادية والكلية وكم كانت جميلة تلك الايام وكم حملت من ذكريات واحلام ومواقف كنا نعود سوية مشياً على الاقدام ولا نشعر بالتعب لأننا نقضيها بالاحادث الشيقة والامنيات وكم رسمنا خططا للمستقبل المجهول وكم تعاهدنا على ان نعطي الصداقة حقها من الوفاء.

من جهتي كنت سعيدة لسعادتها ولم افكر يوما بان الحق ما صنعته لها بشيءٍ من المنّ . لم تكن هذه الحادثة الاولى ولا الاخيرة بالنسبة لي فهذا ديدن الحياة معي خصوصا بعد سقوط النظام

فمنذ العام ٢٠٠٣ وليومنا هذا وانا اسعى لكل من اعرفهم ومن لا اعرفهم في قضاء الحوائج حتى انني فقدت كثيرا من صحتي وانشغلت عن عائلتي ووفقني الله ان اكون سببا لأسعاد كثير من الناس. واستمرت هذه الحالة لغاية ٢٠٢٣ حين مررت بوعكة صحية ظننت ان الجميع سيقف معي خصوصا اؤلائك الذين اكرمتهم بجهودي وعلاقاتي واموالي لكنني لم اجد حولي غير عائلتي الذين اهملتهم و بخست حقوقهم وآثرت الاخرين عليهم عملا بمقولة الجار قبل الدار و ظناً مني ان الاخرين سيقدّرون هذا الامر لكن عند المحك تظهر معادن الناس وللاسف بدت سوءآتهم وبان زيف بريقهم الذهبي وظهرت معادنهم الرخيصة. لكني مع هذا لست نادمة ولن اتوقف عن مساعدة من يطلب مني العون بالقدر الذي يمكنني منه ربي.

وكنت اقرأ قبل ان امرض بيت شعر للمتنبي، معروف لدى الكثير قال فيه.

اذا انت اكرمت الكريم ملكته

وان انت اكرمت اللئيم تمردا.

بعد ان مررت بهذه التجربة كررت قراءتي لهذا البيت وعشقته وصرت اكثر فهما له و تسائلت كثيراً هل غاب الكرام وبقي اللئام؟ ام اني كنت ارى الدنيا من الزاوية العمياء، ام غابت عني فراستي وقرائتي وتشخيصي لمن هم حولي.

لم اكتب هذا المقال للتحريض على عدم فعل الخير ومساعدة الاخرين بل على العكس تماما، لكني كتبته لحادثة حدثت معي آلمتني وجرحت مشاعري واحزنتني. فمن قرأ مقالتي هذه سيعرف اين يضع نفسه هل سيضعها موضعي ام يضعها موضع من انكر جهدي وسعيي في قضاء حوائج الناس وكرمي وسخائي من اجل اسعادهم .

 

ـــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك