المقالات

عقوق الوالدين بين الماضي والحاضر


عبير المنظور

عقوق الوالدين من الرذائل الاخلاقية الممقوتة عند الله تعالى، وكذلك عند خلقه من البشر بالفطرة، وهو من اكبر الكبائر كما جاء "عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال : الاشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس ثم قال ألا وقول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت "(١).

وعقوق الوالدين هو كل ما يؤذي الوالدين من قول أو فعل. و"أصل العق الشق ،وإليه يرجع عقوق الوالدين وهو قطعهما، لان الشق والقطع واحد، يقال: عق ثوبه إذا شقه. عق والديه يعقهما عقا وعقوقا." (٢)

واتخذ عقوق الوالدين اشكالا عدة منذ القدم وحتى اليوم ، ومهما تعددت مصاديق عقوق الوالدين الا ان مفهومه واحد وعقابه عند الله تعالى واحد، ابرزها تلك المصاديق كلمة (اف) المذكورة في القران الكريم في قوله تعالى 《وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً* 》(الاسراء/٢٣-٢٤)

وكما جاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لو علم الله شيئا أدنى من أف لنهى عنه وهو من أدنى العقوق ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما " (٣)

ومن المصاديق الاخرى لعقوق الوالدين هو النظر اليهما بحدة والنهر والزجر والتكلم معهما بصوت مرتفع والتحدث معهما بقلة احترام وعدم تلبية طلباتهما او مقاطعتهما وعدم لسؤال عنهما وقضاء حوائجهما وفي اشد الحالات سوءا ضربهما او طردهما من المنزل.

وفي عصرنا الحاضر، عصر العولمة والتطور التكنولوجي اتخذ عقوق الوالدين اساليبا متعددة حسب التطور المجتمعي فكريا وسلوكيا ، وان كانت المسميات براقة الا انها في حقيقتها عقوق والدين مبطن -وهو ما قصده اعداء الاسلام وسعى للعمل به منذ قرون عديدة – ومع الاسف يتلقفه النشئ الجديد بمسمياته، فمثلا العناد مع الوالدين وعدم قبول النصح والارشاد هو قوة شخصية، الصراخ بوجهيهما والحديث بصوت مرتفع نقاش حاد، عدم السؤال عنهما مسؤوليات وانشغالات وفي احسن الحالات يكتفي الابناء بإرسال رسالة الكترونية للوالدين هو تخلص من الحاحهما لرؤيتهم، ومقاطعتهما والخجل من دعوتهما في الاحتفالات الرسمية لانهما (دقة قديمة) ولا يتحليان بالإتيكيت، وفي بعض الأحايين يقوم الابناء بحضر الوالدين من وسائل التواصل الاجتماعي لعدم تطفلهما على حياتهم الشخصية، وفي بعض الحالات يتم ارسال الوالدين الى دور الرعاية الاجتماعية بحجة ان دور الرعاية متخصصة في العناية بكبار السن!، بل ان هناك العديد من الحالات لا يتعب الابناء انفسهم حتى بإرسال الوالدين الى دور الرعاية الاجتماعية وانما يكتفون بالاتصال بإحدى البرامج التلفزيونية لإيداع ابويهم في دور الرعاية!!.

ومهما كانت اسباب عقوق الوالدين من قسوة القلب وانعدام الضمير الانساني والبعد عن الشرائع والتعاليم الدينية التي تحث على بر الوالدين، او تقصير الاباء في تربية ابنائهم او التفرقة بين الابناء، او عقوق الاباء لوالديهم امام الابناء يصنع جيلا عاقا او تأثير اصحاب السوء اضافة الى تأثير الادمان والمخدرات، الا ان النتائج واحدة في كل المجتمعات وهو تحطيم النسيج الاسري، وتفكيك نواة المجتمع وهي الاسرة مما يؤدي بالتالي الى تفتيت المجتمع بكل بساطة لان يكون هشا من الداخل يسهل تكسير اواصره الاسرية بشكل خاص والمجتمعية بشكل عام، اضافة الى عقاب الله عزوجل في الدنيا والاخرة.

وعقوبة عقوق الوالدين حسب ما ورد في بعض الروايات :

١-عدم قبول الصلاة

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له لم يقبل الله له صلاة."(٤)

 

٢-عدم شم ريح الجنة

قال الامام الصادق عليه السلام: " إذا كان يوم القيامة، كشف غطاء من أغطية الجنة فوجد ريحها من كانت له روح من مسيرة خمسمائة عام، إلا صنفا واحدا " فقيل له: من هم؟ قال: " العاق لوالديه" (٥).

ومهما تعددت اشكال عقوق الوالدين بين الماضي والحاضر ومهما تغيرت اسماؤه الا انه يبقى عقوقا، وعقوبته كما هي في الدنيا والاخرى، ولمعالجة عقوق الوالدين الذي اصبح متفشيا في مجتمعاتنا الاسلامية وخاصة بين الجيل الجديد الذي اصبح عاقا بفعل التربية الموجهة له من قبل اعداء الاسلام نأمل ان يتسلح شبابنا بالإيمان والوعي لصد هجمات الاعداء في حربهم الناعمة وان يكونوا على قدر المسؤولية في بر الوالدين وتمتين العلاقات الاسرية والمجتمعية لضمان مستقبل افضل.

 

الهوامش:

(١)جامع احاديث الشيعة، البروجردي، ج٢٥، ص١٦١.

(٢) العين ، الخليل الفراهيدي، ج١، ص٦٣.

(٣) الكافي، الكليني،ج٢ ، ص ٣٤٩.

(٤)المصدر السابق.

(٥) جامع السعادات، النراقي، ج٢، ص٢٠٢.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك