نصير مزهر الحميداوي ||
الغدير عين ماء صافية، جرت منذ الثامن عشر من ذي الحجة في السنة العاشرة من الهجرة النبوية، على مر التاريخ وإلى يومنا هذا، وستجري إلى أن يأذن الله تعالى في قيام دولته العادلة، وقد نهل منها من نهل، وتركها من ترك، والغدير شجرة غرسها رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله بيده المباركة، وسقاها ورعاها فاستظل بها من استظل، وعزف عنها من عزف، وهو الحلم الذي يتجدد كل عام إلى أن يتحقق في آخر الأيام، والغدير عهد وخارطة الطريق للأمة الإسلامية، ولجميع المؤمنين عامة، والمنتظرين خاصة.
قديماً ما سمعنا المقولة المعروفة القائلة بأن «أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُل على الإمامة، إذ كان أول خلاف حاد حصل قبيل رحيل النبي صلوات الله عليه وآله، تحققت بعد أيام على أرض الواقع من خلال اجتماع السقيفة، حيث كان صدقاً (فلتة تاريخية حرفت مسار الأمة الإسلامية إلى ما لا يحمد عقباه) وقد وصف أمير المؤمنين عليه السلام، شدة النزاع آنذاك بقوله: "فَلَمَّا مَضَى تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، فَمَا رَاعَنِي إِلا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلانٍ يُبَايِعُونَهُ فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإِسْلامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقٍ دَيْنِ مُحَمَّدٍ" وفي نص آخر قال عليه السلام: "وطَفِقْتُ أَرْتَنِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَغْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ويَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ويَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وفِي الْعَيْنِ قَذَّى وفِي الْحَلْقِ شَجَّا" هذان النصان يكشفان لنا بوضوح عظم ما جرى، وشدة الخلاف والنزاع في الأمة الإسلامية الفتية حيث قسمها قسمين، وقد استمر إلى زماننا الحاضر، وسيستمر إلى أن يرث الأرض عباد الله الصالحون.
اليوم نحن امام الفجر المهدوي الثاني عشر، والذي نترقبه ولا فجر غيره، ومن يريد الانتظار عليه ان لا يوفر شرط التكلم بلسان الانتظار، بل عليه ان يوفر شرط رضا الإمام عجل الله فرجه الشريف، واللقاء قريب وعلى الإنسان أن يعد لنفسه أي لقاء يريد لقاء الشوق ام لقاء آخر، حينما نتحدث عن الاستنصار يجب أن نعطي الكلمة معناها، ويجب ان تتجسد لنا كلمة الاستنصار بشكل دقيق، ولو فعلنا ذلك لوجدنا ان الانتظار المهدوي يتمحور في هذه القضية بالذات، ماهو المطلوب من المنتظر؟ المطلوب تلبية نداء السيدة زينب صلوات الله عليها ولعل هذا هو الذي يفسر لماذا رقت السيدة الحوراء صلوات الله عليها الى التل، واطلقت هذه الصرخة مع انها تعرف انه لم يتبقى في عرصات كربلاء من يرجى نصرته، وهي حينما رقت الى التل إنما كانت تومئ بأنها كانت تخاطب البعيد لأن القريب لا يخاطب من على علو (الا من ناصر ينصرنا) إنما خاطبت المستقبل.
الانتظار له صلة عضوية تماما مع الشعائر الحسينية ولا يوجد تفكيك بين الشعائر والانتظار ولا معنى للانتظار من دون الشعائر لأنها ممارسة على طريق الاستعداد، اما ان تنتظر فكريا ثم ماذا فالذين استمعوا لحديث الغدير استمعوا فكريا ومن ١٢٠ الف لم يحصل منهم الإمام إلا على سبعة، لذلك قصة الانتظار الفكري من دون تربية الاحاسيس وتعظيمها عبارة عن كذبة كبيرة في قضية الانتظار فلا يوجد منتظر من لا يقف أمام فلاندبنك صباحا ومساءً ومن دون أن يستشعر باهظ الكلفة والمسؤولية في هذه القضية.
هل نقول اذاً إن رسول الله كان منتظراً، بلى أمام المنتظرين كان رسول الله صلوات الله عليه وآله كان هو المنتظر الاول والاكبر كانت ترنو عينه إلى ذلك الولد من ولد فاطمة صلوات الله عليهم أجمعين ولكن عبر الطائفة التي صوب الانظار عليها منذ البداية.
الحديث مع المنتظرين، فمنذ ذلك اليوم كان الرسول صلوات الله عليه وآله، يخاطب المنتظرين ويحثهم في أن يسرعوا في تأهيل أنفسهم وتعرفون ان عدم التأهيل يومذاك كم كبد الرسول صلوات الله عليه واله، فقوله صلوات الله عليه واله " ما أوذي نبي مثلما أوذيت" بسبب ان المنتظرين لم يكونوا متواجدين آنذاك، وما جرى على بيت رسول الله صلوات الله عليه واله، ما كان ليكون لو أن أهل الانتظار كانوا في محلهم المطلوب، فقول "طائفة من أمتي تبقى على الحق " أنتم المعنيون وللاسف الشديد الشيعة لا يعرفون قدر أنفسهم ولا يعون ذاتهم.
ما يهم المنتظر ان يلتفت اليه هو انه كان هناك ١٢٠ ألف إنسان بايعوا الأميرعليه السلام في عريش الغدير، وأن بعضهم كان صادقا في بيعته للامير وصادق القول، لكن على المستوى العملي سقط وخرج من دائرة الالتزام، لو وضعنا أنفسنا في يومذاك هل سيكون خيارنا من الذين صدقوا حقا، أم من الذين خدعوا وسقطوا ؟
حينما جاء عهد الإمام المنتظرعليه السلام، نجد أن التنظير الكلي للشعائر قد أطلق، وان اطلاق التنظير الاجتماعي لهذه الشعائر وتحويلها من الممارسة الفردية الى الجماعية، جاءت بتوجيه مكثف ومؤكد من قبل الإمام المنتظر عليه السلام، فنحتفظ بنصين من الامام يتعلقان بالإمام الحسين عليه السلام، الأول دعاء الندبة، والثاني هو زيارة الناحية المقدسة، فخطابه وزيارته هو توجيه لنا.
كيف خطط الرسول صلوات الله عليه واله لهذه الرسالة أن تمضي، لكي تحقق الهدف المنشود المعبر عنه بقوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الاسلام دينا " وكيف يمكن ان يصل الى الوسط الاجتماعي المنشود الذي سيأخذ على عهدته، اقامة يوم اكمال الدين، والمطروح بقوله تعالى " كنتم خير امة اخرجت للناس " لدينا هدف كبير اسمه اكمال الدين واتمام النعمة، ولدينا آلية للوصول لهذا الهدف تكون من خلال الامة التي تكون في موضع الخير، فتامر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولدينا ربان السفينة الذي يقود هذا الوسط الاجتماعي، المعبر عنه بالامة الخيرة، الى ذلك الهدف العظيم الذي يتحقق فيه السلام، والأمن والنعمة على كل افياء العالم.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha