المقالات

الإمام الرضا"عليه السلام"رسالة تتجسّد..


كوثر العزاوي ||

 

حينما نطلّ على جانب من حياة الإمام الرضا من آل محمد"عليهم السلام" فأننا نجد من خلال أحاديثه ومارُويَ عنه دلالات واضحة على شخصية هذا الإمام العظيم  ومقوّماته الأخلاقية التي تنسجم تماما مع رسالتهِ الشريفة، فقد جسّدها قولًا وعملًا رساليًا اجتماعيًا، إذ تسنّم بها قمة الكمال الإنساني وأرتفع إلى مشارف العظمة الذاتية، فمثلًا: حينما يجلس الإمام "عليه السلام" إلى مائدته ومِن حولِهِ وإلى جانبه مماليكه وغلمانه وبوَّابِهِ وسائِسَ دوابّهِ، فلا حواجز بينهُ وبينهم، فليس ذلك إلّا ليعطي الأمّة درسًا عمليًا في الإنسانية الفاضلة التي تؤمن بكرامة الإنسان التي هي على هرم آدميته، حينما استسقى هذا المفهوم من إشارة الباري "عزوجل" في قوله:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ.} الاسراء٧٠

و..{إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}الحجرات ١٣

وثمة هدف أعلى أراد إمامنا الرضا "عليه السلام" بيانه ليعرض للناس نظرية الإسلام عمليًا في طبيعة السلوك الذي يجب أن يعتمده الإنسان المؤمن مع أخيه الإنسان في كل محطات حياته مهما كان مركزه وعلا مقامه! فلقد جسّد إمامُنا هذا السلوك ليقول: إن رفعة المقام وسموّ المركز لا يستدعيان أن يحتقر الإنسان مَن هو دون مقامه! أو أن يُشعرَه بوضاعةِ شخصيتهِ، فتتسع بذلك الهوة بين أفراد الأمة، ويتوزّع كيانها في فصائل متنافرة يمزّقها الحقد وتنهشها البغضاء ويتقاذفها الحسد والشحناء! فليس ذلك مما يحبه الله ورسوله إطلاقًا!

ولعل ماجاء في سِفر إمامنا الرضا "عليه السلام" من ثمين النصح أيضا وهو يوجّه النَّاس إلى تحكيم العقل بدل السّقوط في شِباك الغريزة والهوى، فكان يقول مذكّرًا: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله":{صديق كلِّ امرئ عقله، وعدوّه جهله}، لأنَّ العقل هو الّذي يميّز الحقَ من الباطل، والخير من الشّرّ، والصّواب من الخطأ، والطّريق المستقيم من الطّريق المنحرف، ولأنَّ العقل هو الّذي يهدي الإنسان إلى النّتائج السليمة،.ثم لايخفى على متتبّع ما ورد عنه "عليه السلام" في حديث السلسلة الذهبيّة عندما سار إمامنا إلى خراسان، وقد اجتمع الناس عليه، وخصوصًا الذين يكتبون الأحاديث عن النبيّ وعمّن روى عن النبيّ، اجتمعوا حول مَحملهِ وقالوا له: حدِّثنا يابن رسول الله، فحدّثهم بهذا الحديث الذي يسمّى سلسلة الذهب قائلًا: {حدّثني أبي موسى بن جعفر قال:حدّثني أبي جعفر بن محمد قال:حدَّثني أبي محمد بن علي قال:حدّثني أبي علي بن الحسين قال:حدَّثني أبي الحسين بن علي قال:حدَّثني أبي علي بن أبي طالب قال:حدّثني رسول الله قال:حدّثني جبرائيل عن الله أنّه قال:{كلمة لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمِن من عذابي}. وهنا أراد "عليه السلام" أن يرسخ مفهومًا مصيريًا هو: "إنَّ التّوحيد هو الأساس، أي أن يوحّد الناس ربّهم ولا يشركوا به شيئًا، فأن ذلك دعوة الأنبياء لكل الأديان التي تتحرّك في خطّ التوحيد، فالرسالة تنطلق من خلال خطّ التوحيد، وكلّ ماينطلق على هذا الأساس فهو الصحيح والمؤثر، وأنّ الغاية من ذلك، هو تحرير الناس من كلّ عبادة للأشخاص،لتكون طاعتهم وعبادتهم لله وحده، ولكي يكون اعتقادهم بالله وحده!! ومِن هنا ندرك عظمة هذا الإمام وسرّ وصاياه ومواعظه ونصائحه، والتي هي قطرة من ذاك البحر الزاخر الذي يدعونا لنقف عند ضفافه ولنتأمّل عظمة هذا الإمام ونفهم معنى ولايتنا لأهل البيت "عليهم السلام"وهي بلا شك أن نسير على خطاهم ونهتدي بهداهم، وننطلق في خطِّ الاستقامة الذي أرادوا للنّاس أن يسلكوه، من خلال ما جاء في كتاب الله وسنّة رسوله.

وهذه النماذج العملية التي ذكرنا من أخلاقه وإنسانيته "عليه السلام"

إنما هي الميراث النقيّ الذي يعبق بالرحمة والاخلاص، وهو ذات خُلُقِ جدّه الرسول الأعظم"صلى الله عليه وآله"وآبائه الطاهرين"عليهم السلام" وهكذا تستمد الأمم قوتها منه وتبني على هذا الميراث دعائم مجدها وتضمن به ديمومتها وهيبتها!

والسّلام على الإمام علي بن موسى الرّضا، يوم وُلد، ويوم اغتيل بالسم مظلوما ويوم يُبعث حيًا.

 

١١-ذي القعدة١٤٤٤هج

٣١-ايار٢٠٢٣م

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك