كوثر العزاوي ||
{الدنيا سوق ،ربح فيها قوم وخسر آخرون}.
هذا ماورد عن الامام الهادي"عليه السلام":
نعم! إنها الدنيا في نظر المعصوم هي عبارة عن سوق، فهناك من يتبضّع منها، وهناك من يقوم بعرض
بضاعته فيها، ومعنى البضاعة: هي ماأُعِدّ للتجارة من سلعٍ مخزونة، وجاء هذا المعنى كناية عن مخزون ماأودَعَ الله عباده من قدرات ومَلَكات ورغبات، بل وكل ماوهبهم الباري"عزوجل" من نِعَمٍ لاتُحصى وماهي إلّا بضائع تُعرَضُ في سوق الدنيا، وفي هذه السوق تجارة، أي بمعنى ثمة حرية للبائع وهو المتاجِر
بما يملك، وطوبى لمن يفقهُ عمق مفهوم التجارة مع الله في سوق الدنيا، فالذين يتعاملون مع الله ويعطون كل مايملكون بأخلاص ويسيرون في سبيله ولأجل رضاه، هؤلاء قد خلَّدوا عمرهم الفاني في تجارة مربِحَةٍ مُنجية حينما عَرَضوا بضاعتهم ومايَملكون بعد أن أدركوا أن لكل تجارة رأس مال وفيها رِبح! وتجارة الأرض ربحها قليل، وأمَدُها قصير، والنتائج مُحْزِنَة أحيانًا، وقد يعمل سنوات ويكون ربحه قليل أو لايوازي حاجته ولايحقق طموحه. ولعل أوضح المعايير ماجاء في قوله"عزوجل":
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}الصف ١١-١٣
فأول الربح في حساب الأرباح للمؤمن الذي يتاجر مع الله هو "النجاة من العذاب"، ولاشك بأنّ البحث عن النجاة من اي خطر هو أمر فطريّ، وكلما كانت المخارج آمنة وأكثر صدقًا زادت الطمأنينة، فكيف وانّ الدليل على تجارة العبد هو الله! فمن أصدقُ من الله حديثا! فضلًا عما زاد في الآية من أرباح من قبيل المغفرة ودخول الجنة وطيب المسكن والحور الحسان وو..غير ذلك من المكاسب التي لاتفنى ولاتزول.
فالأشخاص اللذين يبيعون في هذا السوق أعمارهم بهوى أنفسهم أو بهوى الآخرين ولايسعون الى رضا الله، فقد احتملوا خسارة عظيمة ، وقد ذكر القرآن تعابير عدة عنهم : {بئسَما اشترَوا به أنفُسَهم} و{فما ربحت تجارتهم} و{ خسروا أنفسهم وأهليهم} وهذه نتيجة طبيعية لمن لايفقه أبعاد التجارة الحقيقية في سوق الدنيا!
من هنا نفهم: أن الشخص الذكي والفَطِن والرابح هو من يحاسب نفسه ولايتركها لهواها، ويتفكّر ويعمل للفوز بالحياة الابدية قبل الإقدام بالتوقيع على عقدٍ أي صفقة أو شراكة، كما لايغفل عن الموت الذي هو القدر المجهول الوقت والهادم لكل ملذات الحياة وهو أقرب من حبل الوريد، فطريق الله محلٌّ للتجارة الكبرى في سوق الدنيا المأهول بالشراكات، المكتظ بالمنزلقات، وخير التجارة بما وهب الله تعالى من كنوزٍ وثروة هائلة وهي ساعات العمر وكيفية تسخيرها في سبل الخير وتهيأة المواهب الفكرية والعقلية لمشروعِ وراثة الأرض وإعمارها وطريق الله هو
الآمن الذي سينتهي بنا الى الموطن الابدي والحياة السعيدة المطلقة.
{وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} القصص ٦٠
٣٠-رمضان١٤٤٤هج
٢١-نيسان٢٠٢٣م
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha