خالد غانم الطائي ||
كلمة الحرية..ما أجملها واعذبها وما الطف وقعها في النفوس وما اشوق واحوج القلوب اليها؟!
فالانسان يولد حرا وقد عن الامام علي(عليه السلا)قوله:(ايهاالناس :آدم لم يلد عبدا ولا إمة ان الناس كلهم احرار)(نهج البلاغة ج١ ص ١٩٨).
وكلمة الحرية تعني القدرة على على الاختيار وتحديد الموقف وتكون في حدود الخير والاستقامة ولا تخرج عن دائرتهما ولايجوز ولا يحق للمرء ان يستعمل قدرته على الاختيار بشكل منحرف فيهد مبنى حريته وحرية الاخرين .
ان مفهوم الحرية في ديننا العظيم والحنيف ان يفكر الانسان ويستخدم طاقاته العقلية في مجال العلم والمعرفة الرامية والساعية لخير الانسانية وتحقيق صالحها العام لئلا تتحول هذه الحرية ال معول هدم واداة تخريب وانحراف فكري وعقائد وسلوكي وان يستغل مواهبه وطاقاته في الانتاج والعمل والكسب ضمن حدود الالتزام ورعاية وحماية مصالح الآخرين حتى لا تكون هذه الحرية وسيلة الى احتكار واستغلال وحرمان الناس ومصادرة حقهم والتعدي عليهم في ثروات الطبيعة وخيرات الدنيا وعلى الفرد ان يستغل حريته في مجال الفن والادب ليملأ الحياة بقيم الدين والحب والسلام الخير والجمال و السمو...
وتكون هذه الحرية مقننه ومحددة بأطر شريعة الاسلام المقدسة ولاتتحول الى اباحية وحيوانية ومجون وتهتك ان يوظف المرء حقه السياسي وفق مفهوم السياسة والامان ولا يتحول الى تسلط واستئثار واستغلال للاخرين ولابد من التمييز والفريق فالحرية التي يدعو لها الاسلام وهي غير الفوضى والاباحية التي تدعو لها المبادئ النظريات المتحللة فهي لا تنفك ولا تفارق الالتزام والمسئولية بل لا حرية بلا مسئولية ولا مسئولية بلا حرية.
فلقد كانت الاباحية واتباع الشهوات سببا رئيسا من اسباب هدم الحضارة وشقاء الانسان وبؤسه اذ قص وصور لنا القرآن الكريم دروس من اعماق الزمن الغابر ونقل لنا اخبار امم اتبعت الشهوات وأطلقت العنان لنوازع النفس البهيمية فجنت على نفسها وحق ونزل عليها الخراب والدمار والعذاب ،قال تعالى(فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) سورة مريم الاية ٥٩، وقال عزوجل(الم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعادوثمود وقوم ابراهيم واصحاب مدين والمؤتفكات اتتهم رسلهم بالبيانات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)سورةالتوبة الاية ٧٠
ان الحرية بلا انضباط ولا مسئولية ولا مراعاة للاخرين هي فوضى و انفلات وحيوانات وخطر محدق بالانسانية وقد تأثر بعض من جيلنا المعاصر ب تيار الفكر الغربي من دون ان يميز بين العلم النافع وبين الافرزات المؤذية التي افرزتها الحضارة المادية فرحوا ينظرون الى كلما هو قائم في عالم الغرب او الشرق بنظرة الإعجاب والاكبار والتقليد في الماكل والملبس والمظهر والاخلاق من دون الشعور بأن هذه الشعوب بدأت تنحدر وتسير وتؤل نحو السقوط الحضاري وان هنالك خطا فاصلا و فرقا بين الجانب المدني وهو جانب التكنلوجيا والصناعة ووسائل العيش واستغلال الطبيعة لخدمة الانسان وبين الحضارة المعنوية التي تتمثل بمجموعة من مفاهيم الفرد عن الكون والحياة والتي تبنى عليها العقيدة والسلوك السوي والثقافة ويرسم منحى واتجاه التفكير ويحدد نظام المجتمع..
نعم ان الاستفادة من العلم والمعرفة وتجارب الانسان وخبراته ضرورة علمية وحياتية ملحة لا مناص منها لكن يجب بالوقت ذاته التمييز والفصل بين الاستفادة من العلم ووسائل الحياة المادية وبين الحضارة التي تعني قيادة المدنية واستعمالها وفق منهج ونظام وقانون خلقي ملتزم.
اذن يتعين على المسلم ان تكون نظرته للاخلاق والسلوك مرتبطة بخالق الكون-تبارك اسمه- وتنبع من تربيته السماوية الحسنى التي تحقق له سعادة الدارين الدنياوالاخرة فالحضارة التي تبنيها الرسالة الاسلامية العظيمة هي حضارة ربانية تكون فيما العبودية والحاكمية لله وحده...اذ ان كل عبودية تتصف بالذل والدنو الا العبودية لله ففيها العز و السمو والرقي وقد جاء عن امير المؤمنين الامام علي ( عليه السلام)قوله:(آلهي كفاني فخرا ان تكون لي ربا وكفاني عزا ان اكون لك عبدا انت كما اريد فأجعلني كما تريد)...
بالتأكيد فالفرد يجد حريته في عبودية الله- سبحانه وتعالى- القائمة على اساس العدل والحكمة فيمارس سلوكه ونشاط وعلاقته بوسائل المدنية ويتحرك من هذا المنطلق.
ولابد ان تكون الحرية مع الطاعة للخالق - عز و جل- واجتناب معصيته فإن المعصية عبودية للشيطان الرجيم،قال تعالى(الم اعهد اليكم يابني ادم ان تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين وان اعبدوني هذا صراط مشتقيم) سورةيس الآيتان ٦٠ و٦١.
لقد رسم الاسلام الحدود للحريات النابعة من الاخلاق السامية فيكون الحر متصفا بالحياءوالعفة وطلاقة الوجه مبتعدا عن المكر والغش...وقد خاطب الامام الحسين (عليه السلام)الحر بن يزيد الرياحي في يوم عاشوراءبقوله:(انت الحر كما سمتك امك حر في الدنيا وسعيد في الآخرة ).
وقد وصف الله -سبحانه- نبيه المصطفى الاكرم الاقدس الاشرف الاكمل الانور(صلى الله علي وآله)بالعبودية بقوله المبارك(سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى..)سورة الاسراء الاية١..
وكذلك حكى لنا القرآن المجيد عن قول عيسى بن مريم(على نبيناوآله وعليهما السلام)عندما انطقه الله وهو صبي بقوله - تقدس اسمه-(قال اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا)سورة مريم الاية ٣٠...وقوله - تبارك وتعالى-عندما وصف نبيه زكريا(ذكر رحمت ربك عبده زكريا..)سورة مريم الآية ٢.
https://telegram.me/buratha