خالد غانم الطائي ||
يطيب لي ان ابتدئ حديثي المتواضع بخطاب الامام الحسين(عليه السلام)للحر بن يزيد الرياحي تشرفاً به وتبركاً اذ قال (انت الحر كما سمتك امك حر في الدنيا وسعيد في الاخرة).
ان الحرية كلمة تتوق لها النفوس كلها,فهي رائعة وجميلة وتتعطش لها القلوب اجمع انها مطلب سامِ وراقِ وعظيم والانسان يولد حراً..لكن وببالغ الاسف حصل لغط وخلط وضبابية حول هذه المفردة فقد فهمها كثيرون بالمعنى المعاكس لمعناها وبدرجة 180درجة..
ماالحرية؟
الحرية هي تحرر المرء من قيود هوى النفس وأغلال واصفاد الشيطان الرجيم والتخلص من نزعات ونزوات النفس الامارة بالسوء واغواء إبليس الذي قطع عهداً وأقسم بـ(عزة الله)بأن يغوي بني آدم الا المخلصين(بفتح اللام ) منهم قال تعالى حكاية عن ذلك(...قال فبعزتك لأغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين..)سورة ص الايتان 82-83 ,وبعد ذلك يطير الانسان بجناحي العبودية لله تبارك اسمه,فأنها تحرر ورفعة شأن وعلو منزلة..
وقد ورد عن امير المؤمنين(عليه السلام)في ختام مناجاته المنظومة(الهي كفاني فخراً ان تكون لي رباً وكفاني عزاً ان اكون لك عبداً انت كما تريد فاجعلني كما تريد)..وعندئذ يكون الانسان بحق خليفة الله في ارضه اذ ان الخليفة قبل الخليقة,قال –عزوجل-(واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة...)سورة البقرة الاية 30,فـ الله سبحانه خلق الكون وخلق كل شيء للانسان وخلق الانسان لعبادته,قال العلي العظيم(وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)سورة الذاريات الاية56,فقد جاء في الحديث القدسي عن الله تعالى(يابن آدم خلقتك من اجلي وخلقت الكون من اجلك) وقد ورد عن الامير (عليه السلام) قوله:-
وتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
كلما ازدادت عبودية المرء لربه الحق وهو الله –جل وعلا- ازداد رقياً وسمواُ حتى انه يصبح اكرم من الملائكة فقد خلق الباريء سبحانه العقل في الملائكة فقط وقد اوجد في الانسان العقل والشهوة وبتغلب الانسان على الشهوة الحيوانية وسيطرته عليها يصبح بذلك اكرم منزلةً وارفع قدراً من الملائكة وايضاً يضاف للشهوة الحيوانية القوة الغضبية..
-الصراع الداخلي في النفس
القوتان الشهوانية والغضبية متحالفتان ضد القوة العقلية والصراع قائم بينهما على قدم وساق ولاينتهي ولاينقضي الا بخروج روح الانسان من بدنه (ويستثنى من ذلك المعصومون عليهم السلام),وعندما يسعى المرء جهده لتحقيق الغلبة على القوتين المتعاضدتين(الشهوانية والغضبية) وتنتصر القوة العقلية آنذاك تكون للعبد ملكة ذاتية فــ(العبادة عادة والمعصية عادة),
وبالتأكيد فالفرد يحتاج الى ادوات واسلحة ومعدات وعلم ودروع لخوض تلك المعركة الشرسة الضارية فهو يحتاج الى العلم النافع والارادة الفولاذية والى اللجوء الى حصن القرآن الكريم والعترة الهادية للنبي الاقدس الاكمل (صلى الله عليه وآله) والى مرافقة اهل العلم والفضيلة والتردد عليهم والاستئناس بتوجيهاتها ونصائحهم وترك وهجر مجالسة اهل الفسوق والعصيان وان تغلق الطريق المؤدية الى المعاصي والاثام ما امكنه وان يجعل نصب عينيه(تقوى الله) وعليه قبول النصيحة وان ينظر الى ما قيل لا الى من قال(...الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه..)سورة الزمر الاية18..
وزيادة على ذلك قيامه بالواجبات والحرص ماامكن على المستحبات وتجنب المحرمات وترك المكروهات قدر ما يستطيع ومن اهم الاسلحة التي يتسلح بها هو الدعاء فعن سول الله الانور(صلى الله عليه وآله)قال(الدعاء سلاح المؤمن) وان يعيش في حضرة القدس الالهي.
-وللقرآن الكريم حصة
وان يتنفس الانسان القرآن المجيد كما اوصانا المصطفى المختار(صلى الله عليه واله) (من اراد ان يتكلم مع الله فليقرأ القرآن) فمن خلاله وبه تحيا الروح مضافاً لذلك فعليه ان يتعهد كتاب الله بالقراءة المتدبرة الخاشعة,قال –عز وجل-(أفلا يتدبرون القرآن...)سورة محمد الاية24,وان يتذكر الفرد بأن نهايته ومصيره الى الموت وقد ورد عن النبي الاكمل الاشرف الاقدس الاطهر المحمود الاحمد محمد(صلى الله عليه واله)قوله (ان القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد,قيل يارسول الله:وما جلاؤها؟قال :قراءة القرآن وذكر الموت.
-ترويض النفس
على المرء الحرص على الاستغفار والتوبة وان يروض نفسه كما يروض صاحب الفرس فرسه فلا يترك لها العنان لتجمح به بل يقيدها ويربطها بحبل التقوى(اذا جاز التعبير)وعليه ان يهذب لسانه من الفاحش من القول وان يطلب المدد والعون من الله سبحانه في حربه ضد النفس والشيطان وان يشمله بلطفه ليكون ملتزماً وسائراً على طريق النجاة والفلاح.
-ما البهيمية؟
البهيمية التي انخدع وينخدع بها كثيرون فهي مغلفة بـ (غلاف) براق ظاهرة جميل وباطنه قبيح كـ (من يدس السم في العسل) هذا الغلاف اسماه المخادعون بـ(الحرية)ليتم استبدال المعنى الصائب الحقيقي بالمعنى الخاطيء الفاسد-وقد اسلفنا-في الحديث عن الصراع بين القوى الثلاث في النفس الانسانية..ففي حال تغلب القوتين المتحالفتين(القوة
الشهوانية والقوة الغضبية)(ففي حال الغضب يكون الشيطان الرجيم اقرب ما يكون للانسان) على القوة العقلية آنذاك يكون المرء مقيداً ومكبلاً بأصفاد واغلال وسلاسل تمنعه من التحليق بحرية في سماء الملكوت الالهي وتبقى في المستوى الداني لا السامي والعاني ,وما نسمعه ونقرأه ونراه اليوم في وسائل الاعلام المختلفة بالدعوة ليل نهار الى الحرية ما هو الا ضحك على الاذقان واستغفال واستحماق واستغباء واستحمار واستحقار واستهانة بعقول بعض الناس.
-اسرى الشياطين والشهوات
فمن الناس من وظفوا عقولهم بالكامل لخدمة شهواتهم ونزواتهم ورغباتهم تحت عناوين براقة ولماعة مثل الحداثة والتطور والتقدم والارتقاء وبذلك صارت عقولهم اسيرة ومقيدة وخاضعة لأهواء النفس واغواء واغراء الشيطان الملعون واصبحوا هولاء بشر في صورهم الظاهرية وحيوانات(رفع الله مقام القاريء الكريم)في باطنهم وصورهم ومكامنهم الداخلية لايقبلون الحق ويصدون عنه ويحاربون بكل ما اوتوه من مقومات القوة المادية وغير مادية,قال تعالى(مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بأيات الله والله لايهدي القوم الظالمين)سورة الجمعة الاية5,وقوله تبارك اسمه(...مثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث..)سورة الاعراف الاية176,ل
ذلك صيروا وحولوا وجعلوا انفسهم شياطين انسية(الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً...)سورة الاعراف الاية45,حتى انهم فاقوا خطر ومدى تأثير شياطين الجن ولذلك تقدم ذكرهم في الاية المباركة(..شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غروراً..)سورة الانعام الاية 112,علما ان الاسبق في الوجود الطبيعي هو شياطين الجن قبل شياطين الانس,وقد وصفهم الله بقوله الكريم(..ان هم كالانعام بل هم اضل سبيلاً...)سورة الفرقان الاية 44,
وفي يوم القيامة يحشر الناس خلف من اتخذوه قائدا لهم واماماً وقدوةً قال تعالى(يوم ندعو كل اناس بأمامهم..)سورة الاسراء الاية 71,وختامه مسك قوله تعالى(واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فأن الجنة هي المأوى)سورة النازعات الاية 40, وقوله تبارك اسمه(فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية,واما من خفت موازينه فأمه هاوية وما ادراك ما هيه نارُ حامية)سورة القارعة الايات 6-11.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha