الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||
الانطوائية وعبادة الأنا تقع على طرفي نقيض من التشاركية والتفاعل الاجتماعي وهذا الأمر جذّر له أمير المؤمنين علي (ع) في قبال ما روّج له الكثير من المفكرين الوجودين أمثال ( ماكس شترنر و نيتشة وجان بول سارتر و بولان ) إذ كثّفوا جهودهم في الترويج نحو تحقيق ما تترع به نفوسهم من عبادة الأنا والذات وتمجيد العزلة والانطواء والقطيعة مع المجتمع وأوهموا السذّج من العوام بأن الفرد هو تلك الحقيقة المتعالية التي تُشرّع القيم ، وتخلق المعايير ، إذ يقول سارتر " إن الجحيم هو الغير " ، أما ( نيتشة ) فقد وصف " الرجل القوي المبدع " هو ذاك الذي ينطوي على نفسه ، ويفزع إلى الوحدة كالنجم الغارق في السكون .
• لا شك إن تلك النظرة الضيقة ناجمة عن فهم مغلوط ، ودعوتهم للفردية نعتقد إنها ناتجة عن اضطراب فكري ومرورهم بتجارب وانكسارات وخيبات جعلتهم يطلقون صفة التعميم بالدعوة إلى الفردنة وهم بلا شك لا يمثلون التوجه العام ، فالمعطيات العقلية والتجارب الإنسانية تشير إلى عكس ذلك تماماً ، فالإنسان لا يمكن له العيش وحده بل إن من مصادر المعرفة هو تراكم الخبرة وهذا التراكم هو نتاج التشارك الاجتماعي ، وفي هذا يقول أمير المؤمنين علي (ع) الذي يُعد بحق رائد علم الاجتماع عندما قال " واعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ ، لا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ ، ولا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ ... " ومعنى ذلك لا مناص من التشارك والاحتياج الواحد للآخر ، بل أن القرآن الكريم أكد على التعارف لا التعازل كما صرحت الآية " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" وهذا التعارف لا يتأتى إلا من خلال التواصل والاتصال لا التقاطع والانعزال ، وهناك كلمة رائعة للعالم ( جيته ) يقول فيها : " إنه ليس ثمة عقاب أقسى على المرء من أن يعيش الجنة بمفرده " فبالرغم من وجوده بالجنة إلا أنه لا يستسيغ العيش بمفرده ، بل هناك تأكيد لغوي على أن مفردة الإنسان يمكن تخريجها " أَنَسَ بِصُحْبَتِهِ : أَلِفَها ، أَي اِطْمَأَنَّ إلى صُحْبَتِهِ وأَنَسَ فلاناً إِيناساً ومُؤانَسَةً : لاطفه وأزال وَحْشَتَه" وهذا الأمر لا يمكن إلا من خلال المعاشرة والتواصل مع الآخرين ، واختتم بقول ابن خلدون " الإنســـــان مدنيٌ بطبعه".
https://telegram.me/buratha