رياض البغدادي ||
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴿6﴾ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿7﴾ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿8﴾ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿9﴾ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾»
لما بينت الآيات السابقة حكم قذف الأجنبيات، انتقل الكلام في هذه الآيات الى حكم قذف الزوجة، ومعلوم أن الزوج حريص على إبعاد المعرة عن نفسه وقومه، على خلاف القذف في زنا الأجنبيات، فكان حكم الله تعالى في أمر الزوج مع زوجته أشد، بأن تُعلن أمام الناس فضيحته وفضيحة قومه، وتبعات الفضيحة التي ستلحق بقومها، وإن ذلك لعمري كفيل بحماية النساء ومنع الادعاء والتجني على العفيفات المؤمنات، لرغبات آنية أو سوء تصرف أو لحظة غضب، قد تصدر من زوج تجاه زوجته.
وقد اختلف الفقهاء في أحكام اللعان وما يترتب عليه من تفريق أو عدمه، وكل ذلك يُرجَعُ فيه الى كتب الفقه.
ادعت الخوارج أن الزنا والقذف يُعَدُّ من الكفر ويُرَدُّ عليهم بوجهين:
الأول. أن الكفر لو ثبت عليها بلعانه فالواجب أن تُقتل لا أن تُجلد أو ترجم.
الثاني. إن الرامي إذا صدق فهي زانية، وإن كَذَبَ فهو قاذف، فعلى قولهم لابد من كفر أحدهما، وذلك يكون (ردة) فيجب أن تقع فرقة الردة، ولا لعان بينهم أصلًا.
وأعلم إنه سبحانه لما بيّن حكم الرامي للمحصنات والأزواج على ماذكرنا، وكان في ذلك الرحمة والنعمة ما لا خفاء فيه، لأن الله تعالى جعل باللعان للمرء سبيلًا لمراده، ولها سبيلًا لدفع العذاب عن نفسها، ولهما السبيل الى التوبة والإنابة، فلأجل هذا بين تعالى بقوله ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ عظّم نِعَمَهُ فيما بَيَّنَهُ من هذه الأحكام، وفيما أمهل وأبقى ومَكَّن من التوبة، ولا شُبهة في أن في الكلام حذفًا ،إذ لابد من جواب، إلا أن تَرْكَهُ يدل على أنه أمر عظيم، ورُبَّ مسكوت عنه أبلغ من منطوق به.
https://telegram.me/buratha