عمر الناصر||
التيه الفكري والثقافي الذي نعاني منه اليوم والمُطعَم بنكهات مختلفة من اليأس ، يعيد لي ذاكرتي المتخمة بالتراجيديا والتراوما والكوميديا السوداء لفيلم كلاسيكي قديم اسمه "تائه في الصحراء" ، استطيع تشبيهه بما يمر به الكثيرين ممن يؤمنون بحكمة " اذا لم تكن تعرف ماذا تريد فكل الطرق تؤدي الى هناك " التي استفحلت بهم ثقافة "خالف تُعرف" على حساب الاسس الرصينة والمبادئ النقية وسمعة الدولة ومؤسساتها ، ثقافة هجينة رفعت من منسوب التدهور المجتمعي والاخلاقي بسبب غياب معايير منظومة الاخلاق السياسية وضعف رقابة القانون على بعض المفاصل الحيوية، وكأن هنالك عملية ممنهجة مستمرة بتحديث نفسها على غرار التحديث الذي يطرأ على انظمة IOS والاندرويد والقياس مع الفارق لاجل ضرب البنية الفوقية التي هي عماد التنمية والاستقرار ، والذي انعكس ذلك سلباً على قوة واداء وسطوة الكثير من ادوات واجهزة انفاذ القانون ، وبالنتيجة اساء وتغوّل الكثيرين ممن فسروا بأن حرية التعبير المنصوص عليها في المادة ٣٨ من الدستور ، بأنه الاستهتار والخروج عن المألوف والاعراف العامة والذوق العام ، بل ذهبوا احياناً كثيرة الى الاستخفاف وعدم احترام هيبة الدولة وقوانينها ومكانتها الفعلية ، والتقليل من اهمية احقيتها بمحاسبة المسيئين والمروجين للافكار الهدامة والمتطرفة والدخيلة التي تشوّش وتشتت الجهود الحكومية لمواجهة مهام خطرة في حقل مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة ، والتي ساهمت بعض وسائل التواصل الاجتماعي من رفع مستوى التحديات وتفتيت النسيج المجتمعي وازدياد عمليات النصب والاحتيال والابتزاز، بل وزعزعت الثقة بالجهود المؤسساتية الرامية لاعادة ترميم ماتبقى من بقايا القشرة الداخلية للتعايش السلمي، ولتجنب الزيادة الملحوظة والمفرطة في رواسب عدم الاحساس والشعور بالمسؤولية الوطنية والاخلاقية ودور المواطن في دعم الدولة ، جعل صناعة التفاهة هي علامة فارقة ومميزة وماركة مسجلة للكثير ممن يلهثون وراء الشهرة و"الطشة" كما يطلق عليها اليوم ، لخلق مجتمع قطيع Cuttle society يسمع ويطيع تتزايد فيه ارتال من الامعات والعاهات التي ملئت منصات الفيسبوك والتيك توك ، تارة تطل علينا سيدة تخاطب احد المسؤولين ليفتح الطريق لها بعد ان ازعجها الازدحام ليزيل مفرزة كانت تنفذ مهامها بالبحث عن الارهابيين والمطلوبين، واخرى تظهر لنا وهي متأثرة بأفلام رعاة البقر وتكساس لترمي العيارات النارية في الهواء، ومابين هذه وتلك نجد المواطن قد وقع مابين مطرقة سطوة نفخ البراطم وسندان نفوذ مؤخرة الجكسارة التي لديها القدرة لفتح اي انسداد مروري ، بل لها القدرة على نقل اي منتسب امني يطبق القانون اذا ما ازعج ذلك مزاجها الليموني.
نحن شعوب لايعنينا التخطيط المستقبلي لضمان مستقبل الاجيال ولايهمها قوة الوعي لبناء الانسان ، لان جميع مقومات استقبال التفاهات والامراض الاجتماعية اصبحت متوفرة لها بيئة مناسبة ، بالامكان وصفها بالفايروسات التي اصبح انتشارها اسرع من انتشار الروائح العفنة وكوفيد ١٩ ، في ظل تراجع ملموس لدور الوطنيين والمثقفين والمخلصين الذي يفترض ان لا يكون دورهم خجول في التصدي لمثل هذه المسؤولية العظيمة ، لكون التفاهة اصبحت الصبغة السائدة التي بدأت تتأثر بها اجيال لم ترى امامها افكار نموذجية تعزز من الثقافة الحية والقيم الانسانية السامية والاصيلة ، وبالتالي كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ..
انتهى ..
خارج النص / استهداف البنية الفوقية للدولة يأتي من خلال دق الاسفين بين المجتمع واجهزة انفاذ القانون.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha