كوثر العزاوي ||
قد تأخذ منك السنين بعض الاشياء وتنسيك بعضا، لكن يبقى الكثير من وقائعها محفورة في ذاكرتك لا نسيان معها على الدوام سيما مايتعلق في معتقدِك.!
-"ابو محمد" رجل خمسيني لديه من الابناء سبعة،"اربعة ذكور وثلاث إناث"وزوجة صالحة "خادمة حسينية قارئة للقرآن"على ذات نهج زوجها وأولادها إذ شكّلوا أسرة تلتزم الدين والقرآن والعترة نهجًا ومنهجًا، وعلى بساطة الحال وعيش الكفاف! تميّز الابناء بالثقافة الدينية والعلمية وكانت كما الآلاف من أبناء الشعب العراقي عائلة تعيش هاجس النصر وعودة الامام "روح الله الخمينيّ" الى إيران والأمل يحدو بها ان تقام هكذا حكومة إسلامية في العالم لتكون مصدر قوة في المنطقة بما يربطها من عمق عقائدي متين..ومنذ أواخر السبعينات تعلّقَ ابا محمد بذكر السيد الخميني بعد ان عرَفَه منذ أقامَ سماحته في النجف الاشرف، فقد نَشَأ وأنْشَأَ عائلته على الفضيلة وحب الإسلام والعترة الطاهرة والاعتزاز بالهوية والمذهب، علاوة على احترامها العلماء وحبّهم، سيما مراجع التقليد ومَن يدور في فَلكهم، وكان من بينهم "الإمام روح الله الخميني"
كان يتابع بانتظام أخبار الثورة وقائدها الخميني العظيم منذ اندلاعها، وقبل ذلك مسيرة الإمام الخميني وعملية النفي من بلد إلى آخر ومايجري في إيران بواسطة مذياع "سلفر"، وفي تلك الحقبة كان حزب البعث المجرم يلاحق كل من يُبدي الولاء للإمام الخميني والسيد الشهيد محمد باقر الصدر "قدس سره"ولو ظنّا، لأنه القائد الشجاع الذي أرعب امريكا وأسرائيل وأزلام البعث الصدامي المجرم، خصوصا حينما أيّدهُ السيد الشهيد محمد باقر الصدر بكل وضوح وأعلن ذلك جهارًا
وقد كان مرجعًا للتقليد من بين المراجع آنذاك، ومن البديهي تأييدُه شريحة كبيرة من جماهير الشعب العراقي سيما الشباب من كلا الجنسين، فعمّت فرحة الانتصار قلوب وبيوت كثير من العراقيين بما فيهم عائلة " أبا محمد" عندما أُعلِن البيان من إذاعة صدى إيران من طهران عن انتصار الثورة الإسلامية وعودة مؤسِّسِها وقائدها الخميني العظيم، الى البلاد، فوُزِّعت الحلوى وارتفعت الأصوات بالأهازيج والتهاني والعناق والتهليل والتكبير بعيون دامعة وصدور منشرحة، والشعب العقائدي النبيل متجاهلًا في لحظة ذوبان كل ماينتظره من مصير مجهولٍ قد أعَدَّه وحشًا كاسرًا وقد يكشّر عن أنيابه في لحظة إعلان ساعة الصفر للأنقضاض على طائفة كبيرة من الشعب العراقي بتهمة العمالة "للخميني" وبذلك يتم انتهاك حق الشعب بمصادرة حريته بالتعبير وخنق أنفاسه بلا تمييز بين رجل وامرأة ولاكبير وصغير ولا بين عالمٍ وجاهل! وفعلًا..لم تَدمْ بهجة الشعب المظلوم يومئذ، حتى استُبدِلَت الفرحة بالموت الأحمر بكل ماللكلمة من معنى، يوم أُعِدَّت الكمائن ونُصِبت المشانق وتهيّأت عيون البعث جاحظة تتسابق في تحديد العوائل الخمينية على -حدّ تعبيرهم- وتأشير بيوتهم التي جعلها العدو فيما بعد خاوية على عروشها إلّا من الثكالى واليتامى وعرائس أرامل لم تلحق حتى على إلقاء نظرة وداعٍ على شبابها وهم يقتادونهم معصوبي الأعين حيث المجهول!! لتبدو بعدهم سماء العراق مدلهمّة، وشمسهُ مكسوفة خافتة الإشراق، والشوارع موحشة إلّا من عواء الكلاب البعثية تجوب الطرقات سائبة تراقب الداخل والخارج من وإلى بيوت الشرفاء الذين اعتُقلوا ظلمًا بتهمة المعارضة للحزب وانتمائهم إلى أحزاب معارضة عميلة موالية لإيران، وكان بيت الحاج "ابو محمد" قد خلا من الشباب ومابقي له من أبنائه السبعة إلا أثنين إضافة الى اعتقال أصهاره وإخوتهم، رغم ماألَمَّ به من مِحَن إلّا أنَّ أبا محمد مضى وزوجته الصابرة على ذات النهج لم يُبدّلا، صابرَين محتسِبَين، وبكل رباطة جأش كان يقول كلمته بعد أن قضى اولاده شهداء في زنازين البعث السفاح ولم يُعرَف لهم مصير ولا قبر إلى يومنا هذا: لَعمري! كفى بذلك وسامًا يتقلّده المُنتَمين لخط آل محمد "عليهم السلام" ومَن يمثلهم كالخمينيّ والصدر وكل العلماء، وأنّى لهم طمس ذكرهم وآثارهم، هيهات هيهات!! طالما خلُدَ سيد الشهداء أبا عبدالله الحسين "عليه السلام" فلاريب في بقاء وخلود نهجه ومَن سار عليه من الشهداء والصالحين في كل مكان وزمان، وما ثورة الخميني إلا امتدادًا وهي الأمل الذي يسبقُ بزوغ
الفجر الصادق لتشرقَ بعده شمس المنتظر الموعود بقية الله في الأرض "أرواحنا فداه" وتعود قوافل الشهداء فاتحة منصورة ليقتصّوا من المجرمين، إنهُ وعدٌ غير مكذوب.
١٠-رجب الأصب١٤٤٤هج
٢-شباط-٢٠٢٣م
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha